وضّح خبراء من المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) مؤخرًا، مع خبراء من جامعة يونغنام (Yeungnam) في كوريا، كيفية تحكم بعض المُركبات العضوية في نمو النباتات وتحملها للإجهادات المختلفة. فقد قدمت ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا في دورية (Journal of Plant Growth Regulation)، دراسة شاملة لمادة البولي أمينات؛ وهي مُركبات عضوية غير مفهومة جيدًا يمكنها تنظيم نمو النبات والمساهمة في تعزيز دفاعاته.
تعرّف العلماء على مادة البولي أمينات منذ أن وثقها عالم الأحياء الدقيقة الهولندي أنطوني فان ليفينهوك (Antonie van Leeuwenhoek) لأول مرة في العام 1667. ولكنهم ما زالوا يجهلون تمامًا دورها في نمو النبات على الرغم من مرور أربعة قرون. تقول د. هندة المحمودي، خبيرة فسيولوجيا النبات في إكبا والباحثة المشاركة في الورقة البحثية: "هناك عدد قليل جدًا من الدراسات حول دور مادة البولي أمينات في النباتات. ونحن نعرف أن تكوين البولي أمينات في النباتات منظَّم للغاية لكننا ما زلنا لا نعرف الكثير عن وظيفتها البيولوجية."
توفر الدراسة مراجعة شاملة للتوزيع والتركيب الحيوي ودور مادة البولي أمينات في النباتات، وتؤكد إسهامها في تحسين النمو وتحمل الإجهاد اللاحيوي.
تتعرض النباتات لظروف بيئية متغيرة باستمرار وإجهادات مختلفة طوال دورة حياتها، وتقلل هذه الإجهادات البيئية من نمو المحاصيل وتطورها مما يؤدي إلى انخفاض الغلة.
وتمتلك النباتات جينات مختلفة يُمكنها تصنيع الجزيئات البيولوجية التي يمكن أن تساعدها في مكافحة هذه الإجهادات البيئية، وثمة نوع واحد من الجزيئات البيولوجية، وهو البولي أمينات، الذي يُعتبر المنظم لنمو النباتات.
تؤدي مادة البولي أمينات أدوارًا متعددة في العمليات الفسيولوجية للنباتات؛ بما في ذلك نموها وتطورها واستجابتها للإجهاد اللاحيوي والاستجابة الدفاعية والتقدم في العمر.
ولنأخذ على سبيل المثال الملوحة، حيث يُعد الإجهاد الملحي ثاني أهم عامل غير حيوي يؤثر على الإنتاجية الزراعية على مستوى العالم. كما يؤثر الإجهاد الملحي على سلامة الأغشية في النبات ويقلل من كفاءة التمثيل الضوئي والإنزيمات. تشير د. هندة المحمودي بهذا الخصوص: "تؤدي مادة البولي أمينات دورًا رئيسيًا في التخفيف من الإجهاد الملحي من خلال تنشيط أنظمة الدفاع البيوكيميائية والفسيولوجية والجزيئية. فقد بيّن الباحثون أن استخدام نوع من مادة البولي أمينات - المعروف باسم بيتروسين (putrescine) - يمكن أن يحسِّن دفاع النبات ضد الملوحة."
يمكن لمادة البولي أمينات أن تصبح فعالة للغاية في مكافحة الإجهادات. ولا يعادل التحمل الأكبر للإجهاد دائمًا زيادة الغلة. توضح د. هندة المحمودي هذا الأمر: "يمكن أن تستجيب مادة البولي أمينات للإجهاد من خلال تغيير الخصائص المختلفة للسماح للنبات بالبقاء على قيد الحياة. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي مادة البولي أمينات إلى إغلاق النبات لمسامه لفترات طويلة لتقليل إجهاد الجفاف، ولكن هذا بدوره يمكن أن يحد من قدرة المحصول على التمثيل الضوئي مما يؤدي إلى انخفاض الغلة".
لقد مرت أربعة قرون منذ أن كتب أنطوني فان ليفينهوك لأول مرة عن دور البولي أمينات، وما زال أمام العلماء الوقت ليفهموا تمامًا كيف يمكنهم استخدامها في زيادة غلات المحاصيل وضمان الأمن الغذائي في الوقت الذي يتغير فيه مناخنا.