تحمل التربة أهمية جوهرية للحياة على الأرض. كما تعد أساسية بالنسبة لحياة البشر وغيرهم من الأنواع الكثيرة شأنها في ذلك شأن المياه. فالتربة توفر الكثير من الوظائف الحيوية، بدءاً من إنتاج الأغذية، مروراً بالتخزين في جوف الأرض وانتهاءً بعزل الكربون. ولعله يخفى على البعض أن التربة تخزن كمية من الكربون تزيد عن تلك الموجودة في جميع النباتات التي تنمو فوق الأرض، ناهيك عن أنها تنظم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة.
بيد أن التربة تشهد مع الأسف تراجعاً خلال العقود الأخيرة. إذ تظهر الدراسات أن حالة من التدهور بين المتوسط والشديد تصيب نحو ۳۳ في المائة من التربة في العالم، فالعوامل البشرية والطبيعية الأخرى تتهددها من خلال الانجراف والتملح واستنزاف المغذيات وفقدان التنوع الحيوي فيها. ما يجعل بالتالي ضمان استخدامها المستدام لصالح إنتاج الأغذية ولغيره من الأغراض الأخرى مسألة بالغة الأهمية. وهنا يأتي دور بناء التوعية كخطوة أولى بهذا الاتجاه.
وهنالك عدد من المتاحف المخصصة للتربة التي تم إنشاؤها في بلدان مختلفة حول العالم، بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تعمل على نشر المعرفة المتعلقة بأهمية التربة وتحفيز الجهود التي تبذل في ميدان حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.
أما توافر معلومات شاملة ومحدّثة حول حالة متاحف التربة حول العالم لم يكن متاحاً حتى الماضي القريب. ما استدعى نشر دراسة محورية مؤخراً في سلسلة التطورات في علم الزراعة سعياً لسد هذه الفجوة، حيث جمعت هذه الدراسة آخر المعلومات المتعلقة بمتاحف التربة والمتاحف التي تحتوي على معارض دائمة للتربة حول العالم، بما في ذلك متحف الإمارات للتربة الذي يستضيفه المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا).
وقد حددت الدراسة المذكورة التي أجراها فريق دولي من خبراء التربة ۳۸ متحفاً مخصصاً للتربة فقط، و۳٤ معرضاً دائماً للتربة، و۳۲ مجموعة للتربة، حيث يمكن الدخول إليها بعد أخذ المواعيد. كما قامت بتحليل عدد متاحف التربة منذ مطلع العقد الأول من القرن المنصرم، وكذلك المعلومات المتعلقة بمواقعها ومحتواها وزوارها.
وجاء عن الدراسة آنفة الذكر أن عدد متاحف التربة شهد زيادة منذ مطلع العقد الأول من القرن الفائت، بينما كان النمو الملحوظ في هذا العدد بين عامي ۲۰۱۵ و۲۰۱۹. كما تظهر الدراسة أن متاحف التربة والمعارض الدائمة للتربة تتركز في أوروبا وشرق آسيا وجنوب شرق آسيا، حيث يبقى نصيب روسيا الأكبر من عدد ألواح التربة المعروضة، في حين يبقى التنوع الأغنى والأكبر لألواح التربة لدى المركز الدولي للمراجع والمعلومات المتعلقة بالتربة المتحف العالمي للتربة.
وتشير الدراسة أيضاً إلى الأنشطة الممتعة التي يتزايد تقديمها من جانب متاحف التربة، بما في ذلك الرسوم المتحركة التفاعلية للأطفال والكبار، والجولات بمرافقة المرشدين، وكذلك المؤتمرات. كما تعتمد بعض المتاحف تقنيات متطورة لاستقطاب عدد أكبر من الزوار، بما في ذلك تطبيقات الواقع المعزز والأفلام المصورة والرسوم المتحركة، وكذلك النماذج ثلاثية الأبعاد والألعاب التفاعلية.
في كلمة لها حول هذه الدراسة، تقول السيدة مي شلبي، أمين متحف الإمارات للتربة والمشاركة في إعداد الدراسة: "تلعب متاحف التربة دوراً كبيراً عندما يتعلق الأمر ببناء التوعية بالتربة وارتباط هذا المورد بالتنمية المستدامة. ونحن في متحف الإمارات للتربة، الذي يشكل مرفقاً فريداً من نوعه تأسس عام ۲۰۱٦ في منطقة الخليج، نبذل جهوداً متواصلة لنشر المعلومات المتعلقة بالتربة وعن التهديدات التي تواجهها. إذ بات متحفنا سنة تلو الأخرى مركزاً للمعرفة ينتفع منه آلاف الطلاب والباحثين والمحترفين، وكذلك المختصين في البيئة وصناع القرار والسياسات."
هذا وجاء عن مُعدي الدراسة أن متاحف التربة تلعب دوراً ملحوظاً في تعريف العامة بميادين حماية البيئة والتنمية المستدامة. ما يجعل دعم هذه المتاحف بكافة الأشكال الممكنة مسألة مهمة. وتختتم الدراسة أنه رغم العدد الكبير نسبياً للمتاحف ومعارض التربة بصفة عامة، إلا أنها لا تزال محدودة في بعض بقاع العالم.