احتل موضوع الأمن الغذائي والتغذوي الصدارة لدى كثير من الأمم المعتمدة على استيراد الغذاء، إذ تسعى الحكومات إلى البحث عن طرق لضمان الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وهذا يتطلب تعبئة جميع الموارد المتاحة، والتطلع إلى ما هو أبعد من المجتمعات المعتمدة على الزراعة التقليدية ومنتجي الغذاء والموردين. ويمثل الشباب إحدى شرائح المجتمع التي لم تنخرط في الزراعة وإنتاج الأغذية بالمستوى المنشود في أغلب الأحيان.
يشكل الشباب نسبة كبيرة من السكان في كثير من بلدان العالم، لذلك فإنه من الضروري تسخير إمكانياتهم. واليوم نجد الشباب أكثر ترابطاً مما سبق، مع اهتمام الكثير منهم في تقديم الخدمات لمجتمعاتهم، ولعل أن كل ما يحتاجون إليه هو المهارات، والحوافز، والفرص للعمل الزراعي.
إن السبيل إلى إلهام الشباب كي يصبحوا جزءاً من مبادرات الأمن الغذائي، من خلال البدء بالعمل الزراعي، والتحلي بمستوى وعي أكبر كمستهلكين، والإسهام في استدامة إنتاج الأغذية واستهلاكها بطرائق أخرى داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، كان إحدى المسائل التي أثيرت خلال المنتدى الافتراضي الذي برزت فيه المتحدثتان المتميزتان، معالي مريم بنت محمد المهيري، وزيرة الدولة لشؤون الأمن الغذائي والمائي؛ والدكتورة أسمهان الوافي، المدير العام للمركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا).
لقد وفرت هذه الفرصة الفريدة لأكثر من 150 شاباً في دولة الإمارات العربية المتحدة لمناقشة معالي مريم بنت محمد المهيري والدكتورة أسمهان الوافي، والتعرف على الاستراتيجيات المختلفة الهادفة إلى ضمان الإنتاج الغذائي المستدام في الدولة.
وخلال المنتدى الذي انعقد بتاريخ 1 يونيو/حزيران 2020 كحلقة ضمن سلسلة "التصور الافتراضي لمجلس الشباب" بعنوان "مستقبل الأغذية: وضع الشباب في صميم عملية التخطيط لما بعد كوفيد-19"، تم بحث التحديات والفرص المختلفة للزراعة المستدامة، بما في ذلك التقانات الزراعية الجديدة.
وخلال المنتدى، عرضت معالي مريم بنت حارب المهيري الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي في دولة الإمارات العربية المتحدة حتى العام 2051، والتي تهدف إلى النهوض بالدولة إلى القمة وفق مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول العام 2051، كما عرضت قائمة بالبلدان العشر الأوائل حتى العام 2021. وتشتمل الاستراتيجية على 38 مبادرة قصيرة وطويلة الأجل، تُحدد فيها خمسة أهداف واسعة مع التركيز على تسهيل تجارة الأغذية على المستوى العالمي، وتنويع مصادر الواردات الغذائية من خلال الشراكات، وتحسين الإنتاج المستدام للأغذية المحلية، وغير ذلك.
كما بحث المنتدى أيضاً التطور الكبير الذي أحرزته دولة الإمارات العربية المتحدة في استدامة الإنتاج المحلي من الأغذية اعتماداً على التقانات. واليوم يعكف المزارعون المحليون والشركات الزراعية على زراعة محاصيل العنب البري والكينوا والدخن؛ واستزراع الأسماك كالسلمون والهامور؛ واستخدام تقانات متنوعة كالزراعة في الماء، والزراعة المائية المعتمدة على الأسماك، والزراعة العمودية.
وخلال المناقشات، أشارت الدكتورة أسمهان الوافي إلى الحاجة إلى نظم غذائية أكثر تنوعاً باستخدام محاصيل صحيحة، أي المحاصيل القادرة على الازدهار في البيئات الهامشية. وتشتمل بعض هذه المحاصيل المناسبة للظروف المحلية على الكينوا والساليكورنيا والدخن اللؤلؤي والذرة الرفيعة.
إلى جانب ذلك، قدمت شرحاً حول كيفية تمكين الشباب، من خلال برامج إكبا لتنمية القدرات، كي يصبحوا عناصر قادرة على التغيير والإسهام في الزراعة المستدامة وإنتاج والأغذية وحماية البيئة، مشددة على أن الجيل الشاب يجب أن يكون واجهة الزراعة المستقبلية والأمن الغذائي.
وخلال الاقتراع الذي أُجري ضمن المنتدى، اتفق معظم المشاركون على أن الإنتاج المستدام من الأغذية يجب أن يحتل الصدارة دائماً، مع ضرورة خفض هدر الأغذية من خلال إحداث تغييرات في عادات استهلاك الغذاء، والتعرف على الجهود المطلوبة لإنتاجه، لاسيما جهود استعادة الغطاء النباتي في أعقاب جائحة كوفيد-19.
إلى ذلك، سلط المنتدى الضوء على ضرورة الاستثمار في إنتاج الأغذية محلياً، حيث أظهر الكثير من الشباب المشاركين حماساً منقطع النظير لإنشاء مزارعهم الخاصة.
لا شك أن منتديات كهذا تمثل فعاليات محورية لرفع التوعية بمسألة الأمن الغذائي واهتمام الشباب بالزراعة. وهو ما يشكل عاملاً حاسماً لصالح الأمن الغذائي المستقبلي نظراً لحاجة العالم إلى جيل جديد من أصحاب الأعمال الزراعية والمبتكرين ممن سينقلون الإنتاج المستدام للأغذية إلى مستوى آخر.
هذا ويأتي المنتدى كإحدى فعاليات برنامج "الارتباط بالطبيعة" وهو برنامج تفاعلي للتعليم والتوعية البيئية بقيادة هيئة البيئة – أبو ظبي، وجمعية الإمارات للطبيعة بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة، والصندوق الدولي لحفظ الحبارى.