حددت الأمم المتحدة تاريخ 22 مايو/أيار ليكون اليوم الدولي للتنوع الحيوي تذكيراً لنا بأهمية التنوع الحيوي للحياة على الأرض.
فعلى سبيل المثال، يعد التنوع الحيوي الزراعي، المتفرع عن التنوع الحيوي، عاملاً جوهرياً للأغذية والزراعة، فقد باتت أهميته أكبر من ذي قبل نظراً لدخول العالم في أزمة مناخية مرتبطة بتدهور بيئي.
ولعل موضوع هذا العام "حلولنا تكمن في الطبيعة" يبقى الموضوع الأكثر صلة على الإطلاق. فالطبيعة في واقع الأمر تمتلك حلولاً لكثير من مشكلات العالم، بما فيها المشكلات المرتبطة بالجوع ونقص التغذية.
واليوم أضحى النظام العالمي للأغذية غير صحي مع الأسف، فهو يعتمد على بعض المحاصيل الرئيسية كالأرز والقمح والذرة، التي لا تتسم بالمرونة ولا بمستوى تغذوي بالقدر الكافي. نتيجة لذلك، لا تعد الوجبات الغذائية الريفية في كثير من بقاع العالم غنية بما يكفي. فخمسة عشر محصولاً لا أكثر توفر 90 في المائة من الطاقة المستمدة من الغذاء على مستوى العالم، ثلثاها محصور بالقمح والذرة والأرز فقط. لكن مع تغير المناخ الذي طالت تأثيراته إنتاج المحاصيل، يبقى ذلك المستوى الضيق عامل مجازفة خطير يعصف بملايين الأشخاص.
لابد من تغيير كل هذه الوقائع التي لا تصب في صالح صحة الإنسان ولا في استدامة كوكبنا. فالطبيعة الغنية بما تهبه للبشرية، لديها قرابة 30,000 نوع من النباتات الصالحة للأكل على مستوى العالم. وعبر التاريخ البشري، زُرع ما يربو على 6,000 محصول لإنتاج الغذاء، إلا أن الأنواع ذات المستويات المهمة للإنتاج حول العالم لا تصل إلى 200 نوع، في حين يبقى ما يزيد على 66 في المائة من مجمل إنتاج المحاصيل محصوراً في تسعة أنواع.
ولحل مشكلة الجوع ونقص التغذية، لاسيما في البيئات الهامشية، أصبح من الضروري تنويع هذه المحاصيل التي لم يتم استغلالها وتعتبر من المحاصيل المهملة والمنسية والتي تتفوق بيئياً من حيث تحمل عوامل الإجهادات الأحيائية وغير الأحيائية، والأغنى تغذوياً في كثير من الحالات. وما الكينوا، ذلك المحصول المتفوق من الأنديز، سوى مثال عظيم في هذا المقام. فخلال أقل من عقد من الزمن استطاع أن يتبوأ موقعه على قائمة الطعام حول العالم. هذا ناهيك عن تفوقه من حيث المرونة والمستوى التغذوي قياساً بالقمح أو الشعير أو الذرة.
لا شك أن التنوع الحيوي الزراعي وتنويع المحاصيل يحمل مقاليد الإنتاج الغذائي المستدام والوجبات الغذائية الصحية في ظل تغير المناخ. لهذا أصبح المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) في طليعة التنوع الحيوي الزراعي وتنويع المحاصيل خلال العقدين الماضيين. فقد أدخل المركز محاصيل ذكية مناخياً تتسم بكفاءة استخدام الموارد كمحصول الكينوا والدخن اللؤلؤي والذرة الرفيعة والساليكورنيا، وغيرها من المحاصيل، إلى بلدان في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى مساعدة منه للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والمجتمعات الريفية.
وضمن برنامجه على الموارد الوراثية النباتية، استطاع إكبا منذ تأسيس بنكه الوراثي الفريد عام 2000 جمع وحفظ أصول وراثية لأنواع نباتية تتسم بقدرة مثبتة أو محتملة على تحمل الملوحة والحرارة والجفاف من شتى أنحاء العالم.
واليوم يعتبر هذا البنك الوراثي موئلاً لأكبر مجموعات الأصول الوراثية لأنواع نباتية متحملة للجفاف والحرارة والملوحة على مستوى العالم. ففيه يخزن 14,524 مدخلاً لقرابة 270 نوعاً نباتياً جمعت من أكثر من 150 بلداً ومنطقة. كما يحتوي على زهاء 260 عينة لبذور من 70 نوعاً نباتياً برياً ومزروعاً من دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما يمد إكبا مؤسسات مختلفة حول العالم بعينات من البذور من أجل إجراء البحوث عليها وتربيتها وإدخالها. ومنذ عام 2000، وزع المركز 8,572 عينة من البذور على منظمات شريكة له في 57 بلداً.
أضف إلى ذلك أن البنك الوراثي لإكبا يعد جزاءً من النظام متعدد الأطراف للحصول على الموارد وتقاسم المنافع ضمن إطار المادة الخامسة عشرة من المعاهدة الدولية بشأن الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة – التي تمثل أكبر مجموعة وراثية عالمية على مستوى العالم من المواد الوراثية النباتية، وهي متاحة للمزارعين ومربي النبات والخبراء، حيث تصب في صالح الإنتاج المستدام للأغذية القائمة على النباتات. ويضم النظام متعدد الأطراف للحصول على الموارد وتقاسم المنافع في الوقت الراهن ما يربو على 2,6 مليون عينة من الأصول الوراثية للمحاصيل.
ومن ضمن أنشطة حفظ الموارد الوراثية النباتية في دولة الإمارات العربية المتحدة، يجري إكبا حملات منتظمة تغطي مواقع شتى بهدف جمع بعض الأنواع الأصلية المهمة، ومن ثم تخزينها في بنكه الوراثي للمستقبل. ونتيجة لهذه الجهود، استطاع الخبراء تحديد ودراسة أربعة أصناف محلية للحبوب (سلالة محلية واحدة للشعير وثلاث سلالات محلية للقمح) في إمارة رأس الخيمة، كما تمكنوا من حفظ عشبة الحلفاء من الانقراض المحتمل، وإماطة اللثام عن ثمانية أنواع نباتية لم يكن وجودها معروفاً داخل الدولة سابقاً.
لا شك أن هذه الأعمال بأسرها تبقى ذات صفة جوهرية في المساعي الرامية إلى ضمان الأمن الغذائي والتغذوي ضمن البيئات الهامشية اليوم وغداً. كما من الأهمية حماية وحفظ التنوع الحيوي بصفة عامة، والتنوع الحيوي الزراعي بصفة خاصة، لتحافظ البشرية على ما تهبه الطبيعة من حلول لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.