تشكل الزراعة المصدر الرئيسي لمعيشة مئات الملايين من سكان العالم النامي. فتبعاً لإحدى التقديرات، يؤمّن هذا القطاع وظائف لما يزيد على 28 في المائة من سكان العالم، بينما يرتفع هذا الرقم بأشواط في مناطق مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتمد فيها المجتمعات الريفية على الزراعة للحصول على الغذاء والدخل.
إلا أن تغير المناخ يحمل معه مخاطر جسيمة تطوف في أفق الزراعة والأمن المائي في المنطقة، حيث يزيد من أحداث الطقس المتطرفة - كالجفاف على سبيل المثال - واضعاً مصادر معيشة ملايين المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة على شفا الهاوية.
وتشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعد أصلاً المنطقة الأكثر ندرة بالمياه على مستوى العالم، تواتراً أكبر في موجات الجفاف بفعل تغير المناخ، مسببة بذلك مخاوف خطيرة نظراً لأن جل المنطقة يعتمد على الهطولات المطرية في إنتاج الأغذية. وخلال العقود الماضية، ضربت موجات جفاف متكررة بلداناً عديدة أدت إلى خسائر اقتصادية فادحة. لربما كان بالإمكان تجنب الكثير من الأضرار لو توافرت تدابير كافية للتخفيف من تأثيراتها في الوقت المناسب.
ولعل ما يفاقم من صعوبة المسألة هو الافتقار إلى بيانات دقيقة لرصد الجفاف والاستعداد له، الأمر الذي يسفر عن تأخر اتخاذ القرار الإجراءات اللازمة، ناهيك عن عدم استهدافها بالشكل المناسب.
وتقف الأسباب آنفة الذكر وراء الجهود التي يبذلها المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) سعياً منه لمساعدة بلدان المنطقة على إرساء أسس نظام تشغيلي لرصد الجفاف.
ومن ضمن فعاليات المشروع المنفذ بعنوان "النظام الإقليمي لإدارة الجفاف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" الذي تموله الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، قام إكبا بتقديم الدعم اللازم إلى مؤسسات حكومية في المغرب وتونس ولبنان والأردن في عملية تشغيل نظم رصد الجفاف لديها.
وبين عامي 2015 و2019، نجح إكبا في بناء قدرات الخبراء المحليين وصناع قرار في مجال إنتاج وتحليل البيانات المتعلقة برطوبة التربة وصحة الغطاء النباتي والهطولات المطرية لرصد الجفاف. وضمن مشروع النظام الإقليمي لإدارة الجفاف آنف الذكر، استطاع إكبا رسم خرائط مؤشر الجفاف المركب والمنتجات المشتقة عنها، حيث أدخلتها البلدان الأربعة في العمليات التي تنفذها لإدارة الجفاف. أضف إلى ذلك أن إكبا ساعد على إعداد وحدات إدارة الجفاف.
واليوم بات توليد البيانات من خرائط مؤشر الجفاف المركب والمنتجات المشتقة عنها بصورة شهرية باستخدام خدمات السواتل وقدرات النمذجة السطحية لرصد ظروف الغطاء النباتي والهطولات المطرية على امتداد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
إلى ذلك، يعمل إكبا مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة على إتاحة مشروع "النظام الإقليمي لإدارة الجفاف" لبلدان أخرى لم تشارك في المشروع، ونشر خمسة من مخرجات المشروع كالمؤشر المعياري لتباين الغطاء النباتي، ومؤشر الجفاف المركب، والهطولات المطرية، ورطوبة التربة، والتبخر-النتح من خلال منصة منظمة الأغذية والزراعة للمعرفة الإقليمية و البوابات الإلكترونية الخاصة بإكبا (هنا وهنا). ويمكن استخدام هذه الخرائط ومجموعات البيانات من قبل الوزارات المعنية في المنطقة لإدارة المياه والمحاصيل، فضلاً عن استخدامها من قبل الخبراء والطلاب لأغراض البحوث.
يقول السيد رشيد زعبول، خبير النمذجة المناخية لدى إكبا: "يشكل الجفاف واحداً من المخاطر المدمرة المرتبطة بالمناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فجميع البلدان تقريباً تعتمد على الهطولات المطرية في نظمها الزراعية. وتعد بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأكثر عرضة للجفاف، في حين يقود تغير المناخ إلى تفاقم الحالة، حيث من المتوقع أن تشهد موجات الجفاف زيادة في تواترها وشدتها وفتراتها مستقبلاً. لا شك أن امتلاك صناع القرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأدوات وبيانات كهذه يعد ضرورة لا مناص منها لإدارة التأثيرات السلبية للجفاف على نحو استباقي."
ويُذكر أن مشروع "النظام الإقليمي لإدارة الجفاف" يأتي حصيلة العلاقة التعاونية المشتركة لإكبا مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمركز الوطني للتخفيف من الجفاف ومركز تقانات المعلومات المتقدمة لإدارة الأراضي التابع لجامعة نبراسكا-لينكولن، ومعهد داورتي العالمي للمياه من أجل الغذاء، ومنظمة الأغذية والزراعة.
هذا وينوي إكبا مواصلة تحسينه لهذا النظام وإتاحة إمكانية الوصول إليه بدرجة أكبر أمام كافة الشركاء في المنطقة وخارجها.