يحتفل العالم في الحادي عشر من فبراير/شباط من كل عام باليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم. وموضوع هذا العام هو "الاستثمار في ميدان العلوم من خلال المرأة والفتاة لصالح النمو الأخضر الشامل". فهذا اليوم يعمل على تسليط الضوء على أهمية دور النساء والفتيات في ميدان العلوم والتقانات وإسهاماتهن الجوهرية في تحقيق خطة التنمية المستدامة حتى عام 2030.
وجاء في كلمة عميقة البعد لأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن تحديات القرن الحادي والعشرين تتطلب تسخير القدرة الكامل لكل فرد منا، ما يعني تفكيك الصورة النمطية للجنسانية والقضاء على الخلل في توازن عمل الجنسين في ميدان العلوم.
غير أن الإحصائيات تظهر أن تمثيل النساء والفتيات لا يزال دون المستوى المطلوب في ميدان العلوم والتقانات والهندسة والرياضيات حول العالم نتيجة عوامل شتى. وجاء عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (UNESCO) أن 30 في المائة فقط من طالبات التعليم العالي يخترن الاختصاصات آنفة الذكر على مستوى العالم. أضف إلى ذلك أن تسجيل الطالبات في اختصاصات تقنيات المعلومات والتواصل يقف عند حاجز ثلاثة في المائة، بينما يقف عند نسبة خمسة في المائة لاختصاصات العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء.
ويشير تقرير البنك الدولي إلى أن نسبة الطالبات في اختصاصات العلوم والتقانات والهندسة والرياضيات في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقارن بنظيرتها في البلدان الأكثر تطوراً أو تزيد عنها أحياناً. لكن هذا لا يعني بالضرورة شغل عدد كبير من النساء لمهن ضمن تلك الاختصاصات.
ويبين الدليل التجريبي أيضاً أن عدد النساء العاملات في ميدان العلوم منخفض على نحو ملحوظ. فمعدل نسبة الباحثات النساء في المنطقة يسجل 17 في المائة، وهي النسبة الأدنى على مستوى العالم.
كما تشكل النساء 21 في المائة فقط من إجمالي قوى العمل وتسهم بنسبة 18 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للمنطقة. فلو تم تقليص الفجوة بين الجنسين على مستوى العمالة خلال العقد الماضي، لارتفع معدل نمو إجمالي الناتج المحلي إلى الضعف أو لازداد بنحو ترليون دولار أمريكي في النتاج التراكمي، أي أننا فقدنا فرصة اقتصادية كبيرة.
كما ثمة مضامين أخرى لانخفاض تمثيل المرأة في القوى العاملة، لاسيما في ميدان البحوث والتنمية. إذ تبين الكثير من الدراسات أن الفرق التي تتساوى فيها نسب العاملين بين الجنسين تتسم بمستوى متطور من الابتكار والإنتاجية، فالمرأة عنصر حاسم في الابتكار. كما يمكن للعلوم تحقيق نقلات نوعية أكبر نظراً لأن مشاركة عدد أكبر من الباحثات في الفرق البحثية يزيد من يسر التفكير الإبداعي والابتكاري.
ولا يقتصر تميز النساء على مستوى الابتكار فحسب، بل يصل إلى الميدان القيادي أيضاً. إذ أظهرت البحوث أنه كلما ازداد عدد النساء في مناصب إدارية رفيعة، ارتقى أداء المنظمة. وهذا ينطبق بصفة خاصة على المنظمات التي تضع الابتكار في محور اهتمامها.
لا شك أن استقطاب المزيد من النساء نحو ميدان العلوم وتوفير المساعدة لهن على إظهار قدراتهن الكاملة هو سبيل مضمون لتعزيز البحوث والابتكار في المنطقة، وكذلك لترسيخ التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ولعل ذلك يندرج بين الأسباب التي تدفع المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) إلى توفير فرص واسعة النطاق للنساء والفتيات في ميدان العلوم.
إذ نفذ إكبا حتى تاريخه العديد من المبادرات لدعم النساء والفتيات في ميدان العلوم ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كان آخرها برنامج القياديات العربيات في الزراعة (أولى). إذ يهدف البرنامج القيادي "أولى" - وهو الأول من نوعه في المنطقة - إلى تمكين الباحثات القادرات على تحقيق تأثيرات إيجابية في أماكن عملهن ومجتمعاتهن وبلدانهن. وقد أعد البرنامج ليجمع بين الباحثات من شتى البلدان لقيادة التغييرات الإيجابية في الميدان الزراعي، بالتزامن مع التصدي للتحديات التي يواجهنها في أعمالهن. ويمول برنامج "أولى" من مؤسسة بيل ومليندا غيتس والبنك الإسلامي للتنمية (IsDB) وبرنامج بحوث القمح للمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية. وضمت المجموعة الأولى لبرنامج "أولى" 22 باحثة من الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس.
ومن المبادرات الأخرى برنامج المنح البحثية المنفذ بالاشتراك مع الصندوق العالمي لتنمية البحوث، حيث ساعد هذا البرنامج أربع باحثات عربيات على إجراء بحوث متقدمة بالتعاون مع كبار الباحثين الأمريكان.
كما يعمل المركز على ضمان مشاركة عادلة للنساء في برامج تدريبية وزمالات والتدريب الداخلي. ففي العام 2019 على سبيل المثال، بلغ عدد المتدربات في برامج التدريب الداخلي 36 متدربة من إجمالي عدد المتدربين البالغ 53 متدرباً و104 متدربة من أصل 212 متدرباً في برامج التدريب العامة.
ونظراً لأن الإسهامات التي تقودها النساء في شتى القطاعات قد باتت أكثر وضوحاً اليوم، فإن الاستثمار في معرفتهن وإمكانياتهن اليوم سيضع العالم على مسار مستقبل ينعم بمستوى أعلى من الاستدامة والرخاء.
ونختم بما جاء عن الآنسة ميشيل باشليت، المديرة التنفيذية السابقة لبرنامج الأمم المتحدة للمرأة: "عندما يتم تمكين المرأة ويصبح بمقدورها المطالبة بحقوقها والوصول إلى الأراضي والمناصب القيادية والفرص والخيارات والنمو الاقتصاد، سيتحسن مستوى الأمن الغذائي وستتسع الآفاق أمام الجيل الراهن والأجيال المستقبلية."