دعا كبار العلماء وصناع السياسات والخبراء من جميع أنحاء العالم إلى بذل مزيد من الجهود وإلى دعم أكبر من جانب القطاعين العام والخاص لتحفيز البحوث والابتكارات المطلوبة لإرساء الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة في البيئات الهامشية.
كانت هذه إحدى الرسائل الرئيسية في المنتدى العالمي الأول من نوعه حول البيئات الهامشية والذي تم عقده في دبي خلال يومي 20-21 نوفمبر/تشرين الثاني 2019. فقد استقطب المنتدى العالمي للابتكارات في البيئات الهامشية (GFIME) ما يربو على 300 مندوب من قرابة 70 بلداً لعرض أحدث التطورات على صعيد البحوث والابتكار والتنمية والسياسات ضمن ميدان الزراعة وإنتاج الأغذية في البيئات الهامشية – وهي مناطق العالم الأسرع تأثراً بالتغير المناخي وندرة المياه والملوحة.
ويعتبر سكان البيئات الهامشية، تلك المناطق التي تشكل موئلاً لنحو 70 في المائة من الشريحة الأفقر من السكان، الأسرع تأثراً بالتغير المناخي وما يحدثه من تأثيرات تطال الزراعة التي تعتبر المصدر الرئيسي لعيشهم. ويحتاج هؤلاء السكان إلى حلول مبتكرة يسيرة التكلفة تساعدهم على زيادة إنتاجيتهم الزراعية في المناطق التي ترزح تحت وطأة الجفاف وندرة المياه والملوحة.
وهنالك نحو 2,000 هكتار من الأراضي المروية تتدهور كل يوم في ما يقارب 75 بلداً بفعل الملوحة، ما يسفر عن اتساع رقعة البيئات الهامشية.
وخلال المنتدى عمل الخبراء على تحري الحلول المتنوعة واقتسامها، بما فيها زراعة نباتات تتسم بقدرتها على التأقلم مع المناخ من قبيل الكينوا والدخن اللؤلؤي والشعير والساليكورنيا كبدائل للمحاصيل الأساسية التقليدية. كما سلطوا الضوء على أهمية التنوع الحيوي للمحاصيل وتأثيره في إرساء الأمن الغذائي في ظل التغير المناخي.
ومتحدثة خلال المنتدى، الذي تصادف أيضاً مع الذكرى السنوية العشرين على تأسيس إكبا، قالت الدكتورة أسمهان الوافي، المدير العام لإكبا: "أعرب عن سروري لمشاركة ممثلين عن أكثر من 70 بلداً لمناقشة الابتكارات التي تصب في صالح البيئات الهامشية. وإنه لمؤشر عظيم يبدي مدى جديتنا المتعلقة بالقضايا التي تحتاج إلى معالجة في البيئات الهامشية من العالم. وهذا المنتدى هو بمثابة منصة مطلوبة لمناقشة الاستثمارات والتعاون الاستراتيجي بين الشخصيات الحكومية والخبراء وأصحاب الأعمال من جميع أنحاء العالم. وفي هذا المقام، أتوجه بالشكر إلى كافة الجهات التي شاركت في تنظيم المنتدى والشركاء والمندوبين الذين ساهموا في النجاح منقطع النظير الذي تكلل به هذا المنتدى."
وتمحورت جل مواضيع المنتدى حول الأمن الغذائي والابتكار، وتأثير المناخ والاستدامة في البيئات الهامشية. وخلال سلسلة من الجلسات التي بحثت الجوانب السياسية والعلمية والأعمال، بحث المندوبون طيف المواضيع التي تراوحت من الأمن الغذائي، فالزراعة الذكية، وانتهاءً بالزراعة في الفضاء.
وفي تعليق له على المنتدى، قال الدكتور عبد الوهاب زايد، المستشار الزراعي لدى وزارة شؤون الرئاسة في دولة الإمارات العربية المتحدة وأمين عام جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي: "إن المنتدى العالمي للابتكارات في البيئات الهامشية هو بمثابة بطاقة رابحة لتمكين الابتكارات في البيئات الهامشية كي تكون قادرة على الصمود في وجه انعدام الأمن الغذائي. وما انعقاد هذا المنتدى سوى محاولة لرسم الخارطة الزراعية وتوفير الحلول اللازمة للبيئات الهامشية في العالم حيث تشكل الملوحة وندرة المياه وتغير المناخ فيها تهديداً صارخاً للأمن الغذائي والمائي، يطال تأثيره الملايين من سكان تلك البيئات. وللوقوف في وجه المشاكل المذكورة، علينا رسم سياسات فعالة قادرة على توجيهنا نحو المستقبل. كما أننا بحاجة إلى مشاريع زراعية قادرة على توفير نتائج إيجابية اليوم وغداً."
وشهد المنتدى أيضاً إلقاء كلمة رئيسية للدكتورة نينا فيدوروف، أستاذة فخرية في البيولوجيا من جامعة بن (Penn) الحكومية، الولايات المتحدة الأمريكية.
جاء في كلمتها: "ما المطلوب كي تواصل الزراعة إمدادنا بكم أكبر من الأغذية وسط مناخ متزايد القسوة؟ إجابتي هي التقانات والبيولوجيا. إذ سنكون بحاجة على وجه الخصوص إلى تحويل كامل طيف التقنيات الوراثية من الاستئناس وتربية النبات نحو تطبيق أحدث تقانات التحوير الوراثي وتعديل المورثات. ولعل ما يعادل أهمية النجاح في هذه الخطوة هو إيمان الشعوب ومواقفهم، وإن أردنا الاستفاضة أكثر، إيمان ساساتهم وحكوماتهم وموافقها. إذ على البلدان معالجة السياسات الوراثية الحديثة، والجوانب المتعلقة بقبولها، وتصميم إطار عمل تنظيمي مناسب، فضلاً عن دعم المؤسسات السياسية. لكن لا يمكن لأي مما ذكر أن يبصر النور دونما الجدية في تعزيز الاستثمارات في البحوث الزراعية. وربما يقصد بذلك اليوم الاستثمار في المختبرات والمرافق الميدانية. كما يقصد بذلك أيضاً توافر كوادر على قدر كبير من الثقافة، فضلاً عن توافر المال لإجراء البحوث المنشودة. لا شك أن بعض البلدان استثمرت بشكل كبير في تحديث منظمات البحوث الزراعية لديها، لكن بالمقابل لا يزال بعضها الآخر يفتش عن سبيل للدخول إلى هذه الدائرة. أعتقد أن ثمة فرص استثنائية للتعاون بين البلدان الأفريقية ونظيرتها في الشرق الأوسط.
وتضيف الدكتورة نينا فيدوروف: "إن التقدم السريع الذي أحرزه إكبا قياساً بأول مرة زرته فيها قبل عقد من الزمن على ما أظن قد شجعني كثيراً وبالأخص عند رؤية الاهتمام المتجدد في أوساط الجهات الممولة العالمية الرئيسية لمساعدة البلدان على تحديث مؤسساتها البحثية الزراعية. لا شك أن هذا المؤتمر يفتح باب فرص عظيمة لإقامة شبكة من العلاقات وأثق أنه سوف يقدم بعض الأفكار القابلة للتطبيق لبناء شبكات إقليمية للبحوث والتدريب. ضربت لكم بعض الأمثلة حول النـُهج الجديدة القابلة للتطبيق بهدف تسريع استنباط متعضيات متكيفة مع الظروف الزراعية الهامشية المتردية. إن تنفيذ هذه الخطوات، وإمكانية تنفيذها يبقى بيد أناس كالذين يشاركوننا لقاءنا هذا في هذه القاعة اليوم!"
وخلال حلقة نقاش حول حساب تأثير الزراعة في البيئات الهامشية، قالت السيدة فتيحة الشرادي، نائب رئيس المكتب الشريف للفوسفاط المكلفة بالتنمية الفلاحية بالمغرب: "إن التقانات والابتكارات أساسية لإحداث تأثير مستدام في البيئات الهامشية وهي حاسمة لتوفير حلول عالية الأداء تبعاً للطلب. ولعل الأكثر أهمية من ذلك ما نراه في مكتب الشريف للفوسفاط، من خلال "برنامج المثمر"، أن الاستثمار في المزارعين يمثل العنصر الرئيسي للتغيير، وهو جوهري لدعم تحول القطاع الزراعي في هذه البيئة المتغيرة المليئة بالتحديات."
ويذكر أن المنتدى نظمه المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) بالتعاون مع مكتب الأمن الغذائي ومكتب العلوم المتقدمة في حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية وهيئة البيئة-أبوظبي وجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي. كما حظيت هذه الفعالية بتمويل مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط وغيره من الشركاء.