عقد المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ومركز الأمن الغذائي في دولة الإمارات العربية جلسة حوارية رفيعة المستوى وذلك في مقر المركز في دبي. و بحسبما جاء عن الخبراء خلال هذا الاجتماع، يحمل التنوع الحيوي الزراعي وتنويع المحاصيل أهمية جوهرية في محاربة الفقر وسوء التغذية في جميع أنحاء العالم.
وهذا الاجتماع الذي خُصص ليوم الأغذية العالمي، ينعقد كل عام في السادس عشر من أكتوبر/تشرين الأول تخليداً لذكرى تأسيس منظمة الأغذية والزراعة، حيث استقطب هذا العام قرابة 40 ممثلاً عن وكالات دولية ومنظمات حكومية وغير حكومية ومؤسسات أكاديمية بما فيها منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي وجامعة الإمارات العربية المتحدة.
كما شارك في الفعالية ثلة من كبار المتحدثين والحضور بما فيهم: معالي اسماعيل ديري جامديد، وزير البيئة والزراعة والتغير المناخي في ولاية بونتلاند في الصومال، و د. دينو فرانسكوتي، المنسق شبه الإقليمي- المكتب شبه الإقليمي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية واليمن وممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، والسيد سرمد خان، رئيس مكتب منسق الأمم المتحدة المقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، و د. مجيد يحيى، مدير مكتب برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة بدولة الإمارات العربية وممثل البرنامج في منطقة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، و البروفيسور بهانو شودري، عميد كلية الأغذية والزراعة في جامعة الإمارات العربية المتحدة، والسيدة ميثاء جاسم شافي، مدير قطاع الأراضي في دائرة بلدية أم القيوين.
تقول الدكتورة أسمهان الوافي، المدير العام لإكبا: "إن يوم الأغذية العالمي مهم لنا جميعاً حيث مازال يوجد حول العالم أكثر من 821 مليون شخص ينامون جياعاً حتى يومناً هذا ومع الأسف هذه الأرقام عالية جداّ. ولذلك فإن المركز يفخر باستضافة هذا الحدث ليشدد من خلاله على الحاجة إلى العمل الدؤوب للقضاء على الجوع والفقر من خلال التركيز على البيئات الهامشية."
وفي ضوء موضوع يوم الأغذية العالمي لهذا العام، يبحث الاجتماع في سبل زيادة توافر الأغذية المتنوعة والغنية بالمغذيات بأسعار ميسورة للحصول على وجبات صحية ومستدامة مع التركيز بصفة خاصة على دولة الإمارات العربية المتحدة.
ففي كلمة للدكتور دينو فرانسيكوتي، المنسق شبه الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة، قال: "تحتفل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة كل عام بيوم الأغذية العالمي لرفع مستوى التوعية بأولئك الذين يصارعون الجوع حول العالم. وهذا العام، تدعو المنظمة كافة شرائح العامة للتفكير بخياراتهم من الأغذية وبالحاجة إلى إعداد وجبات صحية ومستدامة بأسعار ميسورة تناسب الجميع."
صحيح أن الجوع غالباً ما يرتبط بالفقر، إلا أن سوء التغذية يبقى مفهوماً أكثر تعقيداً، حيث يشتمل، في كافة أشكاله، على نقص التغذية والسمنة والأمراض غير المعدية المتعلقة بالنظام الغذائي.
بعد عقود عديدة من تراجع معدلات الجوع حول العالم، بات عدد الأشخاص المصابين بنقص التغذية يشهد حالة من التزايد. واليوم، ثمة قرابة 821 مليون شخص، أو نحو شخص واحد من كل تسعة أشخاص يصارع الجوع حول العالم، بينما يفتقر ملياري شخص إلى المغذيات الدقيقة الرئيسية كالحديد وفيتامين أ. وتبعاً لما جاء عن منظمة الصحة العالمية، فإن 1.9 مليار شخص بالغ حول العالم يعاني من السمنة أو زيادة الوزن، في حين ثمة 462 مليون شخص مصاب بنقص الوزن. إن مشكلة الوزن الزائد والسمنة التي كان ينظر إليها على أنها ترتبط بالعالم الغني نجدها تتخذ منحى متزايداً في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، لاسيما في المناطق الحضرية.
ففي دولة الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، جاء وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية أن إجمالي مستويات السمنة لدى البالغين تصل اليوم إلى نسبة 30 في المائة، حيث تصل ذروة النسبة إلى 39 في المائة بين النساء، مقابل المعدل العالمي البالغ نحو 13 في المائة. ولعل ما يثير القلق أيضاً ارتفاع منحى السمنة داخل البلد: فخلال الفترة من عام 2000 إلى 2015، ازدادت نسبة المصابين بالسمنة من قرابة 17 في المائة إلى 27 في المائة بين الرجال، ومن 28 إلى 39 في المائة بين النساء، ومن المتوقع أن تستمر هذ النسبة في الارتفاع.
ثمة تبعات خطيرة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي تحملها السمنة للأفراد والمجتمعات والبلاد. فالمشكلات الصحية المرتبطة بالسمنة تكلف الموازنات الوطنية حول العالم نحو تريلوني دولار أمريكي وذلك وفق التقديرات، حيث يصرف هذا المبلغ على العلاج كل عام.
ولعل أحد الأسباب الرئيسة التي تقف وراء هذه المشكلة تقبع في التحولات الجسيمة التي طرأت على الوجبات الغذائية وأنماط تناول الطعام حول العالم نتيجة العولمة والتحضر ونمو الدخل. فالأغذية الموسمية النباتية بمعظمها والغنية بالألياف قد تنحت جانباً لتفسح المجال أمام الوجبات الغنية بالسعرات الحرارية وبالمواد المكررة كالنشاء والسكر والدهون والملح.
وعلى المستوى العالمي، مالت الأنظمة الغذائية بطريقة غير صحية نحو بعض المحاصيل الرئيسية كالقمح والذرة والأرز. فمن بين قرابة 6,000 نوع نباتي المزروع لإنتاج الغذاء عبر التاريخ البشري، يتم إنتاج أقل من 200 نوع بصورة متواضعة على المستوى العالمي أو الإقليمي أو الوطني. بينما يوفر 15 محصولاً فقط 90 في المائة من استهلاك الطاقة الغذائية حول العالم، ثلث هذه النسبة ينحصر في القمح والذرة والأرز.
وصمن هذا السياق، تعلق الدكتورة أسمهان الوافي، المدير العام لإكبا، قائلة: "تهيمن بعض المحاصيل الأساسية على نظم إنتاج الغذاء والوجبات الغذائية لدينا. لا شك أن هذا المنحى يجب أن يشهد تغييراً، فهو لا يصب في صالح صحتنا ولا في صالح استدامة كوكبنا. يجب علينا تنويع المحاصيل التي نزرعها بحيث يتوافر لدينا المزيد من الأغذية الغنية بالمغذيات الطبيعية وبالتالي نحسن أنظمة إنتاج الغذاء كي نصبح أكثر استعداداً لمواجهة التغير المناخي وغيره من المخاطر."
ولإحداث تغيير في الوجبات الغذائية، يتوجب تغيير المحاصيل التي نقوم بزراعتها والطريقة المتبعة في ذلك. أما مفاتيح الإنتاج الغذائي المستدام والوجبات الصحية فتتمثل في التنوع الحيوي الزراعي وتنويع المحاصيل. إذ ثمة الكثير من المحاصيل ذات المستوى التغذوي العالي لكنها مهملة وغير مستثمرة بالشكل المطلوب. وما الكينوا، ذلك المحصول الخارق الذي يعود بأصله إلى منطقة الأنديز، سوى مثال دامغ على واحد من تلك المحاصيل. فخلال السنوات الأخيرة، دخل الكينوا في لوائح الطعام حول العالم. إذ يتسم بمستوى عالي من الكالسيوم والفوسفور والمغنيزيوم والبوتاسيوم والحديد والنحاس والمنغنيز والتوتياء بحيث يفوق نظرائه من محاصيل القمح أو الشعير أو الذرة.
لا شك أن تنويع المحاصيل يعد سبيلاً نحو زراعة قادرة على الصمود أمام المناخ، قياساً بالمحاصيل الرئيسية ضعيفة التكيف أمام تأثير التغير المناخي. كما يجب أن تحتوي الوجبات العالمية على محاصيل مغذية أكثر وقابلة للتكيف مع المناخ. الأمر الذي وضع إكبا في طليعة المراكز المشجعة على التنوع الحيوي الزراعي وتنويع المحاصيل خلال العقدين المنصرمين، حيث أدخل المركز محاصيل الكينوا والدخن اللؤلؤي والذرة الرفيعة والساليكورنيا وغيرها من المحاصيل الذكية مناخياً والتي تتسم بكفاءة استخدام الموارد إلى بلدان عديدة في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.