تشكل الزراعة جانباً كبيراً من إجمالي الناتج المحلي في مصر. إذ وصل إسهامها في اقتصاد البلد عام 2018 إلى نحو 11.2 في المائة، ما يعادل قرابة 13.2 مليار دولار أمريكي. إلا أن قطاعاً مهماً كهذا لاتزال تعترضه مشاكل جمّة.
لعل إحدى هذه المشاكل تتمثل في ملوحة التربة، إذ تبقى الملوحة عقبة أساسية أمام الإنتاجية الزراعية في كثير من المناطق. ما يؤدي إلى معاناة المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة من انخفاض الغلال، وبالتالي تدني الأرباح، إن وجدت أصلاً.
وتعتبر السويس، مدينة الميناء الواقعة في الشمال الشرقي لمصر، واحدة من المناطق الأكثر تأثراً بالملوحة. إذ أن مساحة كبيرة من الأراضي في السويس وما حولها تتسم بمستويات مرتفعة من الملوحة والقلوية، مشكلة فاقمها قرب المدينة من قناة السويس.
ونظراً لأن المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) يركز على مشكلات ملوحة التربة والمياه، فقد أرسى عام 2010 أسس علاقة تعاونية مع السلطات المحلية وأصحاب الشأن لتمكين المزارعين المحليين من إدارة المشكلة على نحو أفضل من خلال الزراعة الملحية، التي تمثل نهجاً زراعياً يشتمل - من جملة أمور أخرى - على زراعة محاصيل متحملة للملوحة.
وكإحدى جوانب التعاون المذكور، نفذ إكبا مشروعين لمعالجة مشكلة ملوحة التربة في المنطقة، حيث ساعد على استصلاح مساحة تقدر بنحو 63 هكتاراً من الأراضي التي لم تكن صالحة للزراعة سابقاً وتحسين مصادر المعيشة لكثير من المزارعين المحليين.
ومن بين هؤلاء المزارعين عبد الراضي، مزارع مسن عانت مزرعته ذات 8.4 هكتار من التملح لسنوات. إذ لم تكن لدى عبد الراضي حيلة في ظل موارده القليلة، ليقف عاجزاً أمام مزرعته التي فقدت خصوبتها مع السنين.
يقول: "افتقرت إلى الخبرة في التعامل مع هذه المشكلة في مزرعتي. لقد كانت التربة عالية الملوحة."
ويضيف: "سمعت ذات يوم عن مشروع للزراعة الملحية يشرف على تنسيقه مركز بحوث الصحراء، تواصلت معه مباشرة، لأجد تجاوباً كبيراً من فريق الأبحاث. فقد قام الفريق بفحص التربة وتحليل المياه وأسدى لي نصحاً بزراعة الكينوا."
كانت تلك هي المرة الأولى التي يسمع بها عبد الراضي عن الكينوا، ذلك المحصول الخارق المستقدم من جبال الأنديز والقادر على النمو في تربة مالحة بكمّ قليل من المياه.
ويتابع السيد عبد الراضي قائلاً: "لقد شرح لي الفريق أن الكينوا محصول مبشر وأخبرني عن كل مزاياه كنبات متحمل للملوحة. أعجبت للأمر واشتركت فيه."
كما حضر عبد الراضي - من ضمن أنشطة المشروعين - مدارس ميدانية للمزارعين (أو برامج التدريب الميداني للمزارعين). ففي عام 2013 فقط، نـُفذت ثماني مدارس ميدانية للمزارعين، جالبة معها النفع لكثير من المزارعين مثل عبد الراضي.
ورغم اختتام المشروعين عام 2018، إلا أن تأثيرهما لا يزال ملموساً في حياة المزارعين الذين اشتركوا فيهما.
يقول مبتسماً: "لا شك أني محظوظ لما جنيته من فائدة جراء التدريب الشامل الذي تلقيته على يد الفريق البحثي في مجال الزراعة والحصاد ومعاملات ما بعد الحصاد، وحتى في مجال تسويق المنتج."
ومنذ تلك الفترة وعبد الراضي لم ينفك عن زراعة الكينوا، حيث بات اليوم يكسب من مزرعته ما يكفي لتوفير سبل العيش للأفراد الستة في أسرته القوية.