لا شك أن إيجاد سلاسل القيمة الخاصة بمحاصيل مهملة قادرة على التكيف كمحصول الكينوا والذرة الرفيعة والساليكورنيا يجب أن يشكل حجر الأساس لاستراتيجيات الأمن الغذائي والحدّ من الفقر في ظل التغير المناخي وغيره من التهديدات التي تتربص بالإنتاج الزراعي ومصادر المعيشة الريفية في البلدان الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية (IsDB).
جاء ذلك بإجماع القادة وصناع السياسات والعلماء والخبراء الذين حضروا فعالية رفيعة المستوى حول سلاسل القيمة الزراعية المستدامة على هامش الاجتماع السنوي الرابع والأربعين للبنك الإسلامي للتنمية الذي انعقد خلال الفترة من 3 – 6 أبريل/نيسان، حيث بحث ما يربو على 100 مندوب من قرابة 30 بلداً الطريقة التي يمكن للمحاصيل المتكيفة مع المناخ من خلالها أن تساعد على تحقيق الهدفين الأول والثاني من أهداف التنمية المستدامة بخصوص القضاء على الفقر والجوع.
وخلال هذه الفعالية التي نظمها البنك الإسلامي للتنمية والمركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) ومؤسسة فوسبوكراع تم البحث بإسهاب في إمكانيات المحاصيل المتميزة لإنتاج الأغذية وتوليد الدخل في البيئات الهامشية، التي توصف بمستويات مرتفعة من ملوحة التربة والمياه، وكذلك بندرة المياه والجفاف. ولدى الكثير من البلدان الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية مساحات واسعة تقع ضمن فئة البيئات الهامشية التي يسود فيها الفقر الريفي وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. ما يعني أن إنتاجية المحاصيل الأساسية التي يعتمد عليها الكثير من المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في مصادر معيشتهم آخذة في التراجع يوماً تلو الآخر ضمن الظروف البيئية القاسية التي يزيد من وطأتها التغير المناخي. وعليه، من الأهمية بمكان أن يتم تحويل الاهتمام باتجاه محاصيل مرتفعة القيمة الغذائية وقادرة على التكيف بدرجة كبيرة. لكن لا يجب في هذا المطاف إغفال ضرورة إيجاد سلاسل للقيمة المستدامة لتلك المحاصيل غير الأساسية ضماناً لجني المنتجين أصحاب الحيازات الصغيرة لمزيد من الدخل.
في كلمته الترحيبية، قال المهندس محمد شرقاوي إقبال، المسؤول الإقليمي عن تنفيذ مخطط المغرب الأخضر في المديرية الجهوية للفلاحة في مراكش- آسفي، وزارة الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري والمياه والغابات: "نشكر البنك الإسلامي للتنمية على اختيار المغرب ومدينة مراكش لاستضافة اجتماعه السنوي الرابع والأربعين. كما نشكر البنك الإسلامي للتنمية على دعم مخطط المغرب الأخضر، الذي يشكل استراتيجية تنمية هذا القطاع."
أما الدكتورة أسمهان الوافي، مدير عام إكبا فقالت في كلمتها: "يعمل إكبا منذ سنين على الوصول إلى مصادر معيشة مستدامة وأمن غذائي مستدام في البيئات الهامشية. إذ ينفذ مركزنا أنشطته انطلاقاً من الشراكات لتوفير حلول شاملة للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في تلك البيئات بحيث تمكنهم من تحسين إنتاجياتهم الزراعية على التوازي مع حفظ قاعدة الموارد الطبيعية وتحسينها."
وتضيف الدكتورة أسمهان الوافي قائلة: "لتحقيق الهدفين الأول والثاني من أهداف التنمية المستدامة اللذين يدعوان إلى استئصال شأفة الفقر والقضاء على الجوع، علينا تغيير نظمنا الزراعية على نحو يجعلها أكثر كفاءة ونفعاً لعدد أكبر من المزارعين. ومن بين الاستراتيجيات المطلوبة تنويع وتعزيز النظم الزراعية من خلال ادخال محاصيل بديلة قادرة على تحمل التقلبات المناخية ومعالجة مسألة الجوع وسوء التغذية والفقر."
من جانبه، قال الدكتور منصور مختار، نائب الرئيس، قسم العمليات في البنك الإسلامي للتنمية: " يدرك البنك الإسلامي للتنمية أن المشاركة الفعالة للقطاع الخاص من خلال منتجات سلاسل القيمة التي تمتلك أسواق وطنية وإقليمية وعالمية أمر حاسم وجوهري في تسويق هذا القطاع. حيث يعزز ذلك التوصيل المستدام لمدخلات الإنتاج (البذور المخصبة، والأسمدة، والآلات، وغيرها) ويربط المزارعين بشكل أفضل بالأسواق الخارجية. وذلك هو السبيل لتطوير زراعة الحيازات الصغيرة التي تهيمن على الاقتصاديات الريفية في بلداننا."
وتضمنت هذه الفعالية الجانبية حلقة نقاش للجنة رفيعة المستوى حول دور سلاسل القيمة الزراعية المستدامة في القضاء على الفقر والجوع، كان من أعضائها السيد محمد جمال الساعاتي، مدير مكتب رئيس البنك الإسلامي للتنمية وعضو مجلس إدارة إكبا؛ وسعادة جيلبيرت هونجبو، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)؛ والدكتورة أسمهان الوافي، مدير عام إكبا؛ والسيد علي أبو سبع، مدير عام المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)؛ والسيدة حاجبوها الزبير، رئيسة مؤسسة فوسبوكراع.
وخلال حلقة المناقشة بين أعضاء اللجنة، علقت السيدة حاجبوها الزبير قائلة: " فيما يتعلق بدور سلاسل القيمة، فقد دعمت مؤسسة فوسبوكراع مشاريع خاصة حول إنتاج نوع جديد من الكسكس يعتمد على الكينوا، وهنا نتوجه بالشكر الجزيل لإكبا ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات في المغرب لما قدموه من تدريب مهني حول تحويل لحوم الإبل وتحويل المنتجات الثانوية النباتية لإنتاج نوع جديد من السيلاج وبالتالي الحصول على حليب ولحوم صحية وذات نوعية جيدة".
أما سعادة جيلبيرت هونجبو فقال: "نحن في إيفاد نؤمن أن أية عملية لإجراء تحولات في الريف يجب أن تنفذ بالشراكة مع السكان الأصليين والمحليين وذلك لضمان شمولية التحول الريفي، واستناده إلى رضا السكان. كما نتطلع إلى تعزيز شراكتنا مع البنك الإسلامي للتنمية في هذا الميدان، لاسيما من خلال مرفق إيفاد لمساعدة السكان الأصليين، الخاضع لمجلس إدارة مؤلف من قياديين من السكان الأصليين، ويقدم التمويل مباشرة للمشاريع التي تصممها مجتمعات السكان الأصليين وتديرها بأنفسها."
كذلك عرضت الدكتورة أسمهان الوافي خلال هذه الفعالية الجانبية العديد من قصص النجاح بما في ذلك مشروع الكينوا في الرحامنة والذي يهدف إلى تحسين الأمن الغذائي والدخل لدى المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في البيئات الهامشية من المغرب من خلال إنتاج واستهلاك وبيع محصول الكينوا ذي القيمة المرتفعة والمتحمل للإجهاد. كذلك يقوم إكبا بتنفيذ هذا المشروع بتمويل من المركز الدولي لبحوث التنمية (IDRC/CRDI) التابع لكندا، وبالتعاون مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات في المغرب.
وضمن المشروع المذكور، بدأت العديد من الجمعيات بإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة تعتمد على الكينوا كالكسكس. منها رابطة الألفية الثالثة للتنمية والتعاون الخاضعة لإدارة ما يزيد على 30 امرأة ريفية، حيث تنتج هذه الرابطة منتجات عديدة من محصول الكينوا وغيرها من المحاصيل، وتوفر الدخل للنساء والفتيات الريفيات. كما يعمل المشروع مع رابطات المزارعين كرابطة "شباب مخالف" الذين استفادوا من إدخال الممارسات الزراعية الفضلى والآلات الزراعية. إلى جانب ذلك، يسعى المشروع أيضاً إلى دعم إطلاق الأعمال الزراعية كمشروع "أمندي للأغذية" لتحفيز الكينوا على المستوى الوطني، حيث أسس المشروع نظاماً لإنتاج البذور وطور أدوات لمعالجتها بالتعاون مع مزرعة "بن ريم" لإنتاج أصناف الكينوا الخاصة بإكبا والإتجار بها.