فاقم التغير المناخي وتقلبات الهطولات المطرية من مشكلة ندرة المياه في الأردن، لاسيما في المناطق التي يعتمد السكان فيها على الزراعة والحيوانات لكسب عيشهم.
يعرف السيد محمد الفايز البالغ من العمر ثلاثين عاماً تماماً ما المقصود بندرة المياه. فقريته "أم رمانة"، التي عاد إليها بعد تخرجه من كلية الحقوق لمساعدة والده وأخيه في الزراعة، هي القرية الوحيدة التي لا أثر فيها للمياه الجوفية في لواء الجيزة بجنوب عمان.
يقول السيد الفايز متنهداً: "حفرنا ثلاث آبار لكن لا أثر للمياه فيها، كان هذا قبل عشر سنوات".
وتابع: "الزراعة هي المصدر الرئيسي للمعيشة لدينا، أما الدرجة الجامعية، التي أكد والدي على أن أنالها وأخوتي، ما هي سوى وسيلة أمان للمستقبل."
وأشار أن شغف والده بالأرض لم يتغير بالرغم من عدم وجود المياه الجوفية فيها.
يشرح السيد الفايز أن والده وأهل القرية قد حولوا اهتمامهم نحو بركة مياه قريبة لري هكتارات من بساتين الدراق والمشمش.
ويضيف: "اقترح والدي على أهل القرية الاستفادة من البركة لري ثلاثة هكتارات من الأشجار المثمرة، لاسيما وأن المياه في هذه البركة كانت تطوف عند الهطولات المطرية مسببة أخطاراً صحية وبيئية على القرويين."
ومبدياً شكواه يقول السيد الفايز: "أمضينا عشر سنوات ونحن نستثمر هذه البركة لري الأشجار المثمرة. إلا أن هذا العمل قد توقف نتيجة مشكلات ظهرت مع المسؤولين في بلدية عمان الكبرى. لتعود الأرض قاحلة مجدداً بعد أن جفت أشجارها."
وفي مطلع 2016، تم تنفيذ مشروع محطة معالجة المياه بالقرب من لواء الجيزة، حيث تعرفنا على الطريقة الآمنة لاستخدام المياه العادمة المعالجة من خلال ورشة عمل نظمها المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) بالتعاون مع المركز الوطني للبحوث الزراعية.
وتحدث علماء إكبا عن إمكانية زراعة محاصيل غذائية وعلفية متحملة للملوحة، كما سلطوا الضوء على نظم الإدارة البيئية التي قد تعمل مع المياه العادمة المعالجة.
"نجحنا في الحصول على الموافقات اللازمة من مالكي الأراضي التي تمر المياه عبرها من المحطة إلى أراضينا، لنبدأ بعد ذلك بتجميعها في بركة بمساحة 0.5 هكتار.
ويقول مبتسماً: "نتيجة لذلك، زراعنا 10 هكتارات من الأرض بدلاً من ثلاثة".
وأضاف "لقد تكللت مساعينا بالنجاح الذي يعود إلى العلماء بعد أن شرحوا لنا أن استخدام المياه العادمة المعالجة لري المحاصيل لا ينطوي على أية أخطار بيئية أو أخطار تهدد صحة الإنسان."
واليوم أمسى القرويون يزرعون محاصيل علفية مروية بالمياه العادمة المعالجة.
ويستطرد قائلاً: "إن الأعلاف التي نزرعها، بما في ذلك الفصة والشوفان والذرة، قد باتت جاهزة للبيع في السوق المحلية، وهي تأتي بأسعار جيدة."
لا شك أن هذا النجاح قد شجع مزارعين آخرين في القرية على إعداد أراضيهم لزراعة محاصيل علفية باستخدام مياه عادمة معالجة خلال الموسم القادم. وبالتالي، ازدادت مساحة الأراضي المزروعة في القرية خلال العام، ناهيك عن تغيير السكان لنظرتهم اتجاه المياه العادمة المعالجة.
إن هذا العمل، الذي يندرج بين فعاليات مشاريع جمعية بيت الخير المتعلقة بزراعة الأعلاف، قد حسّن من البنى التحتية للمنطقة وأدى إلى فتح طرق جديدة وتركيب أعمدة خطوط كهربائية يسرت على المزارعين الوصول إلى أراضيهم.
كذلك شجعت نتائج الري باستخدام المياه العادمة المعالجة مزارعين في مناطق مجاورة لمحطة معالجة المياه العادمة على استخدام هذا المورد في زراعة محاصيلهم العلفية.