باتت مواسم الصيف الأعلى حرارة والشتاء الأكثر برودة شائعة لدى 70 مليون نسمة في منطقة آسيا الوسطى، يعيش جلّهم في المناطق الريفية. فظواهر الطقس المتطرفة المذكورة، إلى جانب انكماش مساحة بحر آرال وتملح التربة ونقص المياه تتسبب في تهديدات جسيمة للأمن الغذائي والتغذوي نظراً لما تحمله من تأثيرات سلبية تطال غلال المحاصيل وإنتاجية الحيوانات.
صحيح أن إعتماد التقانات التي تساعد على توفير الموارد إلى جانب اتباع الإصلاحات الزراعية خلال العقود السابقة كان بمثابة أساس التكيف مع التغير المناخي، إلا أن القيام بمزيد من الأعمال لا يزال مطلوباً على مستوى بناء القدرات لدى الهيئات البحثية الوطنية منها والإقليمية في المنطقة.
ومن الجهود الرامية إلى نقل المعرفة والتقانات وبناء القدرات لدى المختصين المحليين، أجرى المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) دورة تدريبية خلال الفترة 15-18 أكتوبر/تشرين الأول 2018 في سمرقند بأوزبكستان حول تنويع المحاصيل ونمذجة الزراعة القادرة على التكيف مع المناخ وإدارة الأمن الغذائي في آسيا الوسطى. كما عملت هذه الفعالية، وبدعم من البنك الإسلامي للتنمية، على تسليط الضوء على التطورات التي سجلتها أبحاث نمذجة التغير المناخي، وإدارة الجفاف، وإجراءات التكيف الداعمة لاستخدام المياه بكفاءة أكبر واعتماد المحاصيل المحسنة، وإدارة المراعي الطبيعية والحيوانات.
واجتمع ما يربو على 45 باحثاً وخبيراً من أذربيجان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركيا وأوزبكستان لتبادل المعرفة المتعلقة بالممارسات والتجارب الفضلى.
بدأت فعاليات الدورة التدريبية بجولة يوم حقلي في قرية موغول الواقعة في مرتفعات منطقة جيزاخ. وخلال الزيارة المذكورة شاهد المشاركون تقانة "الجزر المزروعة بالبذور" التي أدخلت مؤخراً بهدف إعادة تأهيل المراعي الطبيعية عند سفح الهضاب شبه الصحراوية، حيث يعمل إكبا على توسيع نطاق هذه الممارسة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
يقول السيد غازي جواد الجابري، خبير بناء القدرات لدى إكبا "من الأهمية القصوى بمكان إظهار تأثيرات التغير المناخي للجمع ما بين جهود الخبراء وصناع السياسات والمنظمات الدولية ومنظمات القطاع الخاص بهدف رسم السياسات الرامية إلى معالجة التبعات الوخيمة الناجمة عن التغير المناخي."
وتتألف منطقة آسيا الوسطى، الممتدة على مساحة تزيد عن 400 مليون هكتار من الأراضي من أربعة نظم زراعية-بيئية رئيسية وهي: الزراعة البعلية والزراعة المروية والجبال والمراعي الطبيعية. إلا أن نسبة الأراضي الصالحة للزراعة لا تتعدى 20 في المائة. ورغم التشابه في التحديات البيئية والزراعية، إلا أنه تم اتخاذ القليل من إجراءات التكيف المشتركة بهدف ضمان التنمية المستدامة في المنطقة.
تقول السيدة تخمينة أكميدوفا، أخصائية لدى برنامج التكيف مع التغير المناخي والتخفيف من تأثيراته في حوض بحر آرال التابع للجنة حماية البيئة في الحكومة الطاجيكية: " من المهم للغاية بالنسبة لخبراء آسيا الوسطى أن يعملوا معاً لمعالجة آثار تغير المناخ، فالتعاون على المستوى الإقليمي يعد مفتاح معالجة القضايا الراهنة من خلال الحلول العلمية ومبتكرة."
كما وفرت الدورة التدريبية للآنسة جاكلين أبوغوا، طالبة في كلية الدراسات العليا البيئية بجامعة توهوكو باليابان، فرصة اكتساب المعلومات من المصدر حول أساليب التكيف المطبقة في المنطقة، إذ قالت "لقد فـُتح لي باب الفرصة للالتقاء مع كتـاب المقالات التي استخدمتها كمراجع خلال دراستي."
وقد أظهر المشاركون اهتماماً خاصاً بأساليب تحديد مستوى عمق الري والتنبؤ بالطقس باستخدام نموذج رقمي. يقول الأستاذ الدكتور هارويكي فوجيماكي من مركز أبحاث الأراضي القاحلة لدى جامعة توتوري باليابان "تستخدم قرابة 70 في المائة من موارد المياه في العالم للري. ومع محدودية موارد المياه نرى أن تلبية احتياجات العالم من الأغذية مستقبلاً يبقى تحدياً جسيماً، ولعل اعتماد التنبؤ بالطقس إلى جانب تقانات جدولة الري في الزراعة من شأنه تحسين إدارة المياه المخصصة للري لاسيما في الأراضي القاحلة."