أبرز تقريران بحثيان صدرا عن البنك الدولي حول التغير المناخي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مشكلة الجفاف التي تشهد تفاقماً يوماً تلو الآخر في كل من لبنان وتونس. وقد ساهم في إعدادهما بشكل رئيسي فريق من خبراء المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) بقيادة الدكتورة راشيل مكدونيل.
ويساهم هذان التقريران في العملية المتواصلة لجمع المعرفة المتعلقة بالتغير المناخي في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك فهم التأثيرات المحتملة للتغير المناخي على نطاق أوسع في المجتمعات الريفية المعتمدة على الزراعة.
ويواجه كلا البلدان (لبنان وتونس) المطلان على البحر المتوسط تبعات قاسية بفعل التغير المناخي. فبينما الاتجاهات طويلة الأجل تشير إلى ارتفاع في درجات الحرارة، نجد أن التبعات قصيرة الأجل تشتمل على تزايد في مستوى التباين المناخي، ما يصعِّب على المزارعين وصناع السياسات وغيرهم من أصحاب الشأن وضع الخطط المستقبلية للسنوات العجاف أو لفعاليات الطقس الكارثية.
ويخلق الجفاف في كلا البلدين حالة من المخاوف المتنامية، كما قد يؤثر في درجة اعتماد المنطقة على الواردات من الأغذية، فضلاً عن تأثيره في إجمالي الناتج المحلي، وكذلك في الأمن الريفي من حيث توافر الغذاء ومصادر المعيشة. صحيح أن موجات الجفاف ظاهرة متكررة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أن العلماء لاحظوا زيادة واضحة من حيث تكرارها وشدتها. ففي تونس، نجد أن أشد موجات الجفاف في العقود الخمسة الأخيرة ظهرت على مدى السنوات الثلاث المتعاقبة بين 2000 و2002. والأمر سيان في لبنان، حيث يشكل الجفاف مصدر قلق متنامٍ يواجه القطاع الزراعي، وكذلك الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلد.
كما تتعرض المحاصيل المهمة في هذين البلدين، كالفاكهة والزيتون والحبوب، وعلى رأسها القمح، إلى تأثيرات سلبية بفعل تباين الهطولات المطرية، وارتفاع درجات الحرارة، ناهيك عن التغير المناخي على المدى الطويل. كذلك يتعرض قطاع منتجات الألبان في تونس إلى ضربة قاسية، حيث أن إجهاد الحرارة ومحدودية توافر المياه – وكلاهما ناجم عن الجفاف – يتسببان في تقليص الإنتاج وتدني نوعية منتجات الألبان. لا شك أن الجفاف يشكل تحديات في مناطق الفقر المدقع التي تعتمد فيها مصادر المعيشة بشكل رئيسي على الزراعة، بينما لا يتم توظيف إجراءات التكيف بالشكل الصحيح بفعل المعوقات المالية وغياب امكانية الوصول إلى المعلومات.
أما الاستجابة لظروف الجفاف في كلا البلدين فتكون بمعظمها قائمة على الطوارئ، تاركة بذلك حيزاً متواضعاً لإدارة الجفاف على المدى الطويل. ويشدد التقريران على الحاجة إلى إدارة الجفاف على المستويين المحلي والوطني، وكذلك على المنصات الدولية مثل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي (UNFCCC). ولتاريخ ليس ببعيد لم يكن ينظر إلى الجفاف على أنه مشكلة جسيمة على المستوى الوطني، ما ترك البلد دون نظام مركزي لرصد الجفاف أو خطة شاملة لإدارته. صحيح أن تاريخ الاستجابات الحكومية للجفاف كان ملموساً في تونس، إلا أن الخبراء والمراقبين الدوليين يشيرون إلى تباطؤ الاستجابة لظروف الجفاف في البلد وتراجعها من حيث الفعالية.
فبينما تغيب الاستجابات الملموسة والاستباقية للجفاف في كلا البلدين، نجد أن التقريرين يسلطان الضوء على مجالات يمكن من خلالها تلبية الاحتياجات للمياه. فالإدارة المحلية للمياه والوصول إلى خدمات إرشادية قوية تعتبر أساسية في عملية إدارة الجفاف. أما التباين الجغرافي المميز لكلا البلدين فيجعل من النـُهج المحلية، وعلى رأسها تقييم سرعة التأثر على المستوى المحلي، مكوناً مهماً للتكيف مع الجفاف. كذلك توفر الابتكارات الفنية والمالية للمزارعين طرق جديدة لإدارة الجفاف. فعلى سبيل المثال، يوفر التأمين الزراعي للمزارعين ضمانات توفر لهم الحماية في حال خسارة المحصول إثر القحط.
أما عملية جمع البيانات فتحمل أهمية للتكيف مع الجفاف، فهي توفر صورة شاملة عن الاتجاهات طويلة الأجل للطقس والمناخ. الأمر الذي يساعد المزارعين والعلماء وصناع السياسات على توقع فعاليات الطقس المستقبلية. ويمكن لاعتماد محاصيل غير تقليدية، تناسب الظروف القاحلة، أن يساعد المزارعين على حماية مصادر معيشتهم في حالات الجفاف. ومن هذه المحاصيل العليق والكينوا في لبنان والشعير والطماطم المتحملة للملوحة في تونس.
ويشير التقريران، إذا ما نظرنا إليهما معاً، إلى التهديدات المتواصلة التي يفرضها التغير المناخي على الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي حول العالم. ومع مضي العلماء في دراسة المناخ المتغير، تزداد حاجة البلدان إلى الاستعداد لمواجه مستقبل يسوده مناخ أكثر تطرفاً، مع تراجع في إمكانية التنبؤ به.