نحو 40 من كبار الخبراء في أكثر من 10 بلدان، منها جمهورية التشيك والأردن ولبنان والمكسيك والمغرب وجنوب أفريقيا وتونس والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، دعوا صناع السياسات والحكومات إلى تسريع رسم استراتيجيات التكيف مع التغير المناخي لدرء المخاطر المتنامية التي تعصف بالأمن الغذائي والمائي، كالجفاف على سبيل المثال.
إذ اجتمع الخبراء في دبي بالإمارات العربية المتحدة خلال يومي 25-26 سبتمبر/أيلول 2018، لحضور ورشة عمل دولية حول السياسات التي نُظمت بالتعاون ما بين الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) والمركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) والمركز الوطني للتخفيف من تأثيرات الجفاف (NDMC) التابع لجامعة نبراسكا – لينكولن، بالولايات المتحدة الأمريكية.
ونظراً لأن موجات الجفاف الناجمة عن التغير المناخي قد باتت أقسى وأكثر تواتراً، لا سيما في مناطق من قبيل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحثت ورشة العمل الطريقة التي يمكن فيها للمبادرات المختلفة المساعدة على الاستجابة إلى موجات الجفاف والحدّ من تأثيراتها، كمبادرة النظام الإقليمي لإدارة الجفاف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA-RDMS).
وقد جرى تصميم ورشة العمل على نحو يساعد على تعلم أساليب إدارة الجفاف بطريقة مشتركة بين بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يتم تنفيذ المشروع، وكذلك بين غيرها من البلدان التي يشكل فيها الجفاف تهديداً متواصلاً.
وخلال ورشة العمل بحث المشاركون - من جملة المواضيع - تطوير عمليات رصد الجفاف والتحقق من النتائج، إضافة إلى بحثهم لسرعة التأثر ونتائج تقييم التأثير وكيفية استخدام تلك النتائج في رسم السياسات ووضع الخطط، كما تشاركوا أفكارهم المتعلقة بكيفية المضي قدماً بالتخطيط وصناعة السياسات.
وعرض خبراء من الأردن ولبنان والمغرب وتونس نتائج التحقق من عمليات رصد الجفاف المتعلقة ببلد كلّ منهم. وخلال السنوات العديدة الماضية، وبالتعاون المشترك مع حكومات وطنية ومنظمات كالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) والمركز الوطني للتخفيف من تأثيرات الجفاف، يقدم علماء إكبا المختصون في النمذجة المناخية تدريبات عملية في تلك البلدان حول كيفية وضع خرائط الجفاف من خلال نظام تشغيلي لرصد الجفاف. نتيجة لذلك، نجح المختصون المحليون في رصد شدة الجفاف وموقعه، ما ساعد السلطات المحلية على تحسين عمليات رسم الخطط وإدارة موارد المياه وغيرها من المشكلات المرتبطة بالجفاف.
وفي كلمة لها خلال هذه الفعالية، قالت الدكتورة أسمهان الوافي، مدير عام إكبا: "إن مبادرة النظام الإقليمي لإدارة الجفاف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تندرج بين المشاريع الأساسية لإكبا. فمنطقتنا المعرضة للجفاف قد عانت من موجات جفاف ضربتها لأكثر من 50 عاماً، بينما يتزايد تأثير التغير المناخي شدة فيها. وكجانب من المسؤولية المنوطة بنا كمؤسسة دولية للبحوث من أجل التنمية وتحسين الزراعة في البيئات الهامشية، فإننا نسعى إلى تمكين صناع السياسات في المنطقة من خلال برامج راسخة لإدارة الجفاف تتيح لهم وضع الخطط اللازمة وإدارة الجفاف وتأثيراته في الأمن الغذائي والمائي."
ومن بين العروض الأساسية التي قـُدمت خلال ورشة العمل حول الأزمات المائية الأخيرة التي عصفت في كايب تاون بجنوب أفريقيا. إذ قال الدكتور كيفن وينتر، محاضر كبير في قسم العلوم البيئية والجغرافية في جامعة كايب تاون: "مدينة بلا ماء كارثة بمعنى الكلمة. علينا أن نتكيف بسرعة أكبر مع عوامل التغيير. إذ يتعين علينا الاستثمار في المياه، وهنا تحتل إدارة الطلب على هذا المورد قمة الأولويات. تجربتنا مع الجفاف في كايب تاون تظهر أنها ظاهرة سريعة ونعجز عن التنبؤ بها. لقد خضنا غمار موجة جفاف قد لا تحدث سوى مرة كل 350 عاماً، إلا أنه من الصعوبة بمكان التنبؤ بها."
ويضيف الدكتور كيفن وينتر: "إن رسم خرائط الجفاف من خلال إطار عمل معين ومجموعة المؤشرات يعتبر المرحلة الأولى في تكوين صورة شاملة، إذ يجب تنفيذ وتطبيق هذه العملية وفق مقياس معين، ما يساعد أيضاً على ضبط الإشارة إلى العوامل المسببة للجفاف في المناطق المختلفة كمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فالمعلومات التي تخضع إلى تحليل مناسب تصبح حاسمة في رسم السياسات المقترنة بالحكمة في الوقت عينه."
أما الدكتور رينيه لوباتو سانشيز، عالم لدى المعهد المكسيكي لتقانة المياه، الذي تحدث عن النجاحات والدروس المستقاة في ميدان إدارة الجفاف في المكسيك، قال: "إن الجفاف في المكسيك مسألة شائكة! فموجات الجفاف قد تسببت في ترحال أفراد المجتمعات هنا وهناك. ناهيك عن الأدلة حول اندثار حضارات بفعل الجفاف. لهذا فإن الجفاف بالنسبة إلينا يشكل مصدر قلق كبير لاسيما عندما يضرب لفترات طويلة، متسبباً في تأثيرات تصيب المجتمعات ودافعاً أفرادها إلى الهجرة أو متسبباً في مجاعات وتغيرات في النظم الإيكولوجية. لا شك أن ورشة العمل هذه تحمل أهمية كبيرة فقد التقيت خلالها مع خبراء من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أنه في سعينا إلى التعرف على سلوكيات الجفاف وكيفية رسم خرائطه من خلال نظم رصده، تعطينا ورشة العمل المدخلات الأولى على الأقل بخصوص كيفية الاستجابة للجفاف. واعتماداً على البيانات، يكون بوسعنا التوجه إلى صناع السياسات والعمل معهم على اتخاذ القرارات المناسبة، كسبل ضمان تأثير الجفاف في السكان بالحد الأدنى."
ومتحدثاً عن الشراكة مع إكبا، قال الدكتور مارك سفوبودا، مدير وأستاذ مشارك لدى المركز الوطني للتخفيف من تأثيرات الجفاف: "لقد كانت الاستفادة من خبرة فريق إكبا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فرصة عظيمة تساعدنا في العمل في تلك البلدان. كما كانت تجربة مهمة لنا ونتطلع للعمل مع إكبا طوال المشوار. وكإحدى استراتيجيات هذا المشروع وورشة العمل هذه على وجه الخصوص الانتقال من جمع البيانات والمعلومات المستمدة من نظام الإنذار المبكر إلى مرحلة "ماذا علينا فعله الآن." هذا يعني الطريقة التي علينا اتباعها لتوظيف هذه المعلومات في عملية اتخاذ القرار وكيفية إدخالها في عملية صناعة السياسات والتخطيط، فضلاً عن تحديد إجراءات التخفيف من تأثير التغير المناخي التي يمكننا اتخاذها."
ولدى مخاطبتها المشاركين، قامت الدكتورة راشيل مكدونيل، عالمة أساسية مختصة في حوكمة المياه وسياساتها لدى إكبا، بتسيلط الضوء على الإنجازات التي حققتها مبادرة النظام الإقليمي لإدارة الجفاف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وشكرت الدكتور مكدونيل الشركاء، وبخاصة الحكومات المحلية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمركز الوطني للتخفيف من تأثيرات الجفاف على دعمهم السخي للمشروع.
ويقود إكبا مبادرة النظام الإقليمي لإدارة الجفاف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2015. أما الهدف الرئيسي لعمل المركز بخصوص التغير المناخي فيكمن في تطوير رؤى جديدة نحو التأثيرات الممكنة للتغير المناخي في الأمن المائي والغذائي، لاسيما في المناطق الهامشية اليوم أو التي قد تصبح هامشية غداً، ووضع سياسات التكيف المبتكرة، والتوصل إلى حلول فنية ومعلوماتية.