تبشر شجرة الغاف (Prosopis cineraria)، إحدى الأشجار المزهرة، بإمكانية كبيرة لمكافحة التصحر وتحسين خصوبة التربة في البيئات الهامشية، وذلك لما تتسم به من صفات فريدة وفقاً لما خلصت إليه الأبحاث طويلة الأجل التي أجراها المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا).
فلشجرة الغاف، التي تعتبر شجرة محلية في دولة الإمارات العربية المتحدة، استخدامات متعددة، بما في ذلك وجودها كعنصر أساسي في نظم الزراعة الحراجية في المناطق القاحلة وشبه القاحلة. ففي الزراعة الحراجية تخضع الأشجار وكذلك المحاصيل والحيوانات للإدارة، ما يساعد على زيادة المنافع الإجتماعية والإقتصادية والبيئية التي يجنيها المزارعون وغيرهم من مستخدمي الأراضي. ولعل المجموع الجذري لأشجار الغاف الذي يتسم بعمقه وانتشاره يساعد الشجرة على النمو ضمن ظروف قاسية للغاية، فضلاً عن أنه يساعد على محاربة التصحر، ناهيك عن قدرته على تحسين خصوبة التربة طبيعياً من خلال تثبيت الآزوت.
يقول الدكتور محمد شاهد، خبير المورثات وقيـّم على البنك الوراثي لإكبا: "إن هذه الشجرة تساعد على استصلاح الأراضي التي فـُقدت بفعل التصحر. كما أنها متحملة جداً للملوحة، ما يمكـّن من زراعتها في أنماط التربة المتأثرة بالملح التي نجدها بشكل واسع في دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من بلدان الشرق الأوسط، والمعروفة باسم التربة الهامشية."
ويمكن لأشجار الغاف أن تلعب دوراً مهماً في محاربة التصحر نظراً لقدرتها على تحسين التربة، وبالتالي جعلها صالحة لزراعة شتى أنواع المحاصيل الغذائية والعلفية بما في ذلك الشعير واللوبياء والذرة الرفيعة والدخن اللؤلؤي.
إلا أن هذه الشجرة تواجه تهديداً يفرضه عليها احترار الأرض والرعي الجائر الناجم عن تزايد أعداد الإبل. أما المشكلة الأخرى فتكمن في الزيادة السكانية التي يشهدها البلد، الذي يتسبب - من جملة أمور أخرى – في الاستخدام المفرط للمياه الجوفية، وبالتالي انخفاض مناسيب المياه إلى مستويات تعجز جذور أشجار الغاف عن الوصول إليها. إلى ذلك، يسهم تلوث الهواء والماء في تراجع أعداد الأشجار في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وعليه، بدأت منظمات حكومية وغير حكومية وغيرها من منظمات القطاع الخاص باتخاذ التدابير اللازمة لضمان مستقبل الشجرة المذكورة. فها هو مشروع Goumbook الاجتماعي القائم في دولة الإمارات العربية المتحدة أطلق على سبيل المثال برنامج "قدّم شجرة غاف" كمبادرة غير ربحية عام 2010 لرفع مستوى التوعية بالمشكلة. وكانت النتيجة بأن زُرعت آلاف البذور في مشتله منذ تلك الفترة.
إلى جانب ذلك، أجرى إكبا بحوثاً طويلة الأجل على منافع شجرة الغاف واستخداماتها. فقد استكمل المركز أول دراسة من نوعها على 82 شجرة زُرعت في مساحة 1 كم مربع خلال الفترة 2001 و2002، حيث بحثت الدراسة تفصيلاً استخدامات الشجرة كمأوى وعلف ناهيك عن الاستفادة منها كخشب ووقود.
وللتعرف على التنوع الموجود ضمن هذا النوع، تمت دراسة 25 تجربة مختلفة أجريت على هذه الشجرة بشكل مفصل. وخلال البحث جُمعت بيانات حول خصائص تاج الشجرة وأوراقها وأزهارها وقرونها وبذورها. وأظهر تحليل البيانات مستوى تباين هائل بين أشجار الغاف حتى ضمن المساحة الصغيرة. وفي هذا المقام، يعلق الدكتور محمد شاهد على هذا البحث قائلاً: "لبعض هذه الأشجار تاج كبير، ما يعني إمكانية الحصول على عدد أكبر من الأوراق، ولبعضها الآخر عدد أكبر من القرون التي يمكن استخدامها كعلف للحيوانات."
ويضيف الدكتور شاهد: "الغاف هي الشجرة الأكثر أهمية في دولة الإمارات العربية المتحدة. فهي توفر الملجأ لكثير من كائنات الحياة البرية، بما في ذلك شتى أنواع الطيور والحيوانات، بينما يستخدم الناس أوراقها وقرونها كعلف لحيواناتهم."
إلى ذلك، أكدت دراسة منفصلة أجريت خلال الفترة 2016-2017 أيضاً على خصائص البقاء التي تتسم بها هذه الشجرة. فقد أجرى العلماء تجارب على شتلات الغاف والأزداريشتا والعناب لاختبار تقنية الحاضنة (cocoon) لشركة حياة الأرض (Land Life) في ظروف الصحراء، حيث أظهرت النتائج الأولية أن أداء الغاف كان أفضل بأشواط، فضلاً عن أن معدل بقائها ونموها أكبر قياساً بالنوعين الآخرين آنفي الذكر.
تحتوي أوراق الغاف على نسبة 14 في المائة بروتين خام، و20 في المائة ألياف خام و18 في المائة كالسيوم ما يجعلها مغذية جداً للحيوانات كالماعز والأغنام والإبل والحمير. كما يستخدم النحل رحيق أزهارها لينتج العسل الذي يندرج بين الطيبات في البلد. أما خشبها فيمكن استخدامه في إنشاء المنازل وصناعة القوارب، ناهيك عن استخدامه كوقود.
وقبل الازدهار الناجم عن النفط، كان سكان المنطقة يأكلون أوراق أشجار الغاف الفتية وقرونها ويستخدمونها في تحضير السلطة أو إضافتها للأرز كمكمل غذائي. كما استخدموها أيضاً في علاج شتى الأمراض، بما في ذلك الساد والزحار وعسر الهضم وآلام الأسنان.
وكجانب من فعاليات البحث المذكور، قام إكبا بتوزيع بذور الغاف على علماء في منطقة الشرق الأوسط لتمكينهم من إجراء دراسات على تحمل الشجرة لظروف الملوحة والجفاف. وفي هذا المقام، يختتم الدكتور محمد شاهد قائلاً: "يمكن لهذه الشجرة توفير الكثير من العناصر الجيدة والتي ستكون نافعة لبيئة دولة الإمارات وكذلك لبيئة المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية فضلاً عن بيئات الكويت وقطر والبحرين."
لعل هذه الإمكانات الهائلة لشجرة الغاف كانت سبباً وراء تشديد مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على أهمية الحفاظ على هذه الشجرة وتشجيع زراعتها على امتداد الطرقات وفي الصحاري المفتوحة.