أكدت معالي مريم بنت محمد المهيري، وزيرة الدولة للأمن الغذائي المستقبلي على الدور المحوري الذي يمكن للمحاصيل البديلة والمحاصيل غير التقليدية والتقنيات المبتكرة أن تلعبه في ضمان الأمن الغذائي المستقبلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في إطار مشاركة معاليها بفعاليات اليوم المفتوح للمركز الدولي للزراعة الملحية (إيكبا)، المركز الحائز على جائزة أفضل مركز بحثي عربي ضمن جوائز أفضل العرب (Best Arab Award) بعام 2017، حيث ضمت الجلسة مجموعة من الخبراء والباحثين وممثلي وسائل الإعلام.
وخلال الفعاليات، قالت معالي مريم بنت محمد المهيري: "تُعرف دولة الإمارات العربية المتحدة بظروفها المناخية القاسية وغير المناسبة للزراعة، إذ تعتبر تضاريسها وطبيعتها الجغرافية والمناخية من بين أقسى بيئات العالم لزراعة المحاصيل. وعلى وجه الخصوص، يمثل الوصول إلى المياه العذبة مشكلة لا يستهان بها، تضاعف من حدتها حقيقة أن قطاع الزراعة يعتبر الأكثر استهلاكاً للمياه على مستوى الدولة إذ يقف وراء 72% تقريباً من الاستهلاك الإجمالي للمياه العذبة. ويزداد هذا الطلب حدّةً جراء استنزاف مصادر المياه التي تشهد انخفاضاً سنوياً قدره 0.5 سنتمتر".
وأضافت معاليها: "نحصل حالياً على حاجتنا من المياه العذبة عبر منهجيات تحلية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة لتنتج 60% من توريدات الدولة، لكن هذا الرقم مرشح لارتفاع مؤكد في ظل النمو السكاني المتواصل. وتجتمع هذه العوامل لتعزز من حاجتنا إلى إيجاد سبل زراعية جديدة أقل استهلاكاً للطاقة وقادرة على تخفيف العبء عن مواردنا المائية، لذلك دأبت دولة الامارات وبفضل الرؤية الحكيمة لقيادتها الرشيدة على انتهاج الابتكار كوسيلة فعالة للتحقيق الطموحات والتغلب على التحديات واستشراف المستقبل، وذلك من خلال تسخير أحدث التقنيات في سبيل دفع عجلة التقدمإلى الأمام، وهذا يشمل القطاع الزراعي بالتأكيد، وها نحن اليوم بصدد تطوير حلول جديدة تسهم في تقليص استهلاك الطاقة والمياه وتتيح تحسين زراعة المحاصيل، وبالتالي تعزيز مرونتنا لضمان الأمن الغذائي المستقبلي".
وعلى مدار عقدين من الزمن، واظب "المركز الدولي للزراعة الملحية" (إكبا) على رصد واختبار وطرح المحاصيل البديلة وغير التقليدية والتقنيات التي من شأنها المساعدة على إنتاج كميات أكبر من الغذاء، وتقليص استنزاف الموارد وحماية البيئة. فقد بادر المركز إلى تطوير وتجريب طيف واسع من الحلول المصممة خصيصاً لملاءمة الظروف القاحلة والمتأثرة بالملوحة العالية في مناطق مختلفة حول العالم.
من جهتها، قالت الدكتورة أسمهان الوافي، مدير عام "المركز الدولي للزراعة الملحية- إكبا": "نبحث في ’إكبا‘ مجموعة واسعة من الحلول لتحسين التربة والمياه وإنتاجية المحاصيل. وينصب تركيزنا الرئيسي على إيجاد حلول أكثر ملاءمة للظروف المحلية وتتمتع بكفاءة عالية وكلفة أقل نظراً لأهمية تقليص البصمة المائية للمحاصيل المنتجة في دولة الإمارات العربية المتحدة مثل نخيل التمر والخضروات وغيرها، على صعيد ضمان الأمن الغذائي والمائي للدولة. وبفضل الدعم المتواصل الذي تقدمه لنا الحكومة الإماراتية الرشيدة، نجحنا في إطلاق العديد من الحلول الزراعية التجريبية ومشاركة أفضل الممارسات التي توصلنا إليها في دولة الإمارات مع شركائنا في بلدان أخرى".
وفي هذا السياق، يقود المركز برنامجاً عالمياً حول الكينوا منذ عام 2007، يهدف إلى تحويلها إلى محصول مفضل في المناطق المتأثرة بالملوحة والجفاف وندرة المياه، وقد قطع البرنامج شوطاً طويلاً في مصر والأردن وقرغيزستان والمغرب وسلطنة عمان وطاجكستان ودولة الإمارات وأوزبكستان واليمن. ولدى المركز حالياً أربعة سلالات مختبرة تحقق نتائج جيدة وسط الظروف المتأثرة بالجفاف والملوحة العالية، كما أظهرت الاختبارات التي استمرت لعدة سنوات أن السلالات التي قام المركز بتطويرها قادرة على إنتاج ما معدله 5.41 طناً من البذور في الهكتار الواحد وسط مناطق رملية قاحلة تعاني من الملوحة المرتفعة في دولة الإمارات.
وينفذ المركز عدداً من البرامج البحثية حول الري باستخدام المياه المعالجة والمياه المالحة ومياه البحر في القطاع الزراعة والحدائق. فمثلاً، يعكف العلماء في دولة الإمارات على تقييم استخدام المياه المعالجة منذ عام 2013. وتنطوي هذه المبادرة على تداعيات مهمة لإدارة المياه نظراً لأن هذه المياه تشكل 12% من إجمالي توريدات المياه في الدولة وتخضع لعملية معالجة تستلزم ثلاث مراحل. وقد تناولت التجارب طويلة الأمد تأثير استخدام المياه المعالجة لأغراض ريّ الخضروات مثل الجزر والخس والباذنجان والطماطم، إضافة إلى نباتات الحدائق مثل أشجار نخيل التمر. وتشير النتائج إلى أن المياه المعالجة تشكل بديلاً جيداً للمياه العذبة للزارعة وريّ الحدائق في الظروف المناخية القاحلة.
وتناولت التجارب الأثر بعيد المدى الناتج عن ري المزروعات بالمياه المعالجة مثل الجزر والخس والباذنجان والطماطم، وكذلك نباتات الزينة والنخيل. وتشير النتائج إلى أن مياه الصرف الصحي المعالجة هي بديل جيد للمياه العذبة عندما يتعلق الأمر بالزراعة وتنسيق الحدائق في البيئات القاحلة.
كما أوضح المسؤولون في المركز الدولي للزراعة الملحية أن مياه "رفض المحلول الملحي" والمياه البحرية هي مصادر بديلة للري. وقد عمل المركز لعدة سنوات في مزارع نموذجية داخلية وساحلية بالاشتراك مع وزارة التغير المناخي والبيئة في الإمارات العربية المتحدة لدراسة استخدام هذه المياه في زراعة الأحياء البحرية والمائية، حيث يتم في المزارع الداخلية استخدام المياه المحلاة للخضراوات ، ومياه "رفض المحلول الملحي" للأسماك، والنفايات السائلة لتربية الأحياء المائية في النباتات الملحية ، في حين تستخدم المزرعة النموذجية الساحلية مياه البحر في مزارع الأسماك و نفايات الأحياء المائية السائلة في زراعة النباتات الملحية.
كما عمل الباحثون منذ عام 2015 على تكنولوجيا منخفضة التكلفة لتصنيع الفحم الحيوي من النفايات الخضراء حيث ينتج من مادة نباتية ويتم تخزينه في التربة كوسيلة لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. وفي دولة الإمارات ، على سبيل المثال ، يتم توليد 0.6 مليون طن من النفايات الخضراء النتاجة عن أكثر من 40 مليون شجرة نخيل سنويا. وهنا تكمن أهمية هذا النوع من الفحم في التربة مقارنة في ما لو ترك هذا الكم من النفايات الخضراء ليتحلل ذاتيا على سطح الرتبة أو مكبات النفايات ما يؤدي إلى انتاج 880 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا
اختبر المركز تقنيته منخفضة التكلفة في التجارب الميدانية التي تستهدف تحسين التربة وإنتاج المحاصيل. وأثبتت التجارب أن الفحم الحيوي يحسن بشكل كبير من خصوبة التربة، ويساعد على توفير 30-35 % من المياه ومغذيات التربة ، كما يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وفي اطار الجهود المبذولة لتحسين كفاءة استهلاك المياه والطاقة في إنتاج المحاصيل فضمن الظروف المحلية، أجرى المركز دراسة تضمنت مقارنة في لنمو الخيار والطماطم والفلفل الحلو وغيرها من الخضروات في بيوت زجاجية متطورة ومزودة بأحدث التقنيات و مشاتل الصوب الخشبية القماشية. وأظهرت الدراسة أن تبريد البيوت الخضراء هي أكثر العلميات استهلاكا للمياه حيث إنها تستهلك المياه بزيادة تبلغ 1.6 مرة أكثر من الكمية المطلوبة لري الخيار. وبالمقارنة، يتطلب نظام التغشية حوالي 20 % من المياه المستخدمة في ري الخيار في الصوب الخشبية. وأظهرت البيانات أيضا أن البيوت الزجاجية تستهلك طاقة أكثر من الصوب الخشبية القماشية بمعدل 62 مرة.
كما قدمت الأبحاث التي قدمها المركز معلومات حول نوعية المحاصيل والتقنيات البديلة غير التقليدية التي تتلاءم تمامًا مع الظروف المناخية وطبيعة البيئة في دولة الإمارات، إضافة إلى امكانية أن تصبح هذه المحاصيل والتقنيات جزءاً من منظومة أوسع من الحلول التي تهدف إلى ضمان استدامة الأمن الغذائي للدولة في المستقبل.