يُنتج عالمياً الملايين من أطنان النفايات في كل يوم، ويؤول معظمها في نهاية المطاف إلى مكبات النفايات المجهزة هندسياً أو مواقع رمي النفايات، مما يهدد البيئة والحياة عموماً على وجه الأرض. وتأتي عملية إعادة تدوير هذه النفايات لصالح الإنتاج الزراعي كحل ناجع يحقق العديد من الأهداف في آن واحد حيث تفيد عملية إعادة التدوير في تحسين صحة التربة والتي تفضي إلى إنتاجية زراعية أعلى فضلاً عن حماية البيئة من التلوث.
وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن حجم النفايات الحضرية المنتجة آخذ في الازدياد بشكل أسرع من معدل التمدن حيث يتوقع أنه بحلول العام 2025 سيصل متوسط إنتاج الفرد الواحد من سكان المدن حول العالم من النفايات البلدية الصلبة إلى 1.42 كغ يومياً. ووفقاً لهذا التقدير، سيبلغ حجم النفايات الحضرية السنوي حول العالم مع حلول العام 2025 حوالي 2.2 مليار طن لكل سنة.
ويشير تقرير آخر، إلى أن غالبية بلدان مجلس التعاون الخليجي تتصدر المراكز العشرة الأولى عالمياً من حيث معدل إنتاج النفايات للفرد الواحد. فينتج حالياً قرابة 120 مليون طن من النفايات في بلدان مجلس التعاون الخليجي، وتقديرياً تشكل مخلفات البناء والهدم ما نسبته 55 في المائة من هذه النفايات، إلى جانب 20 في المائة للمخلفات البلدية، و18 في المائة للمخلفات الصناعية فضلاً عن 7 في المائة للمخلفات الخطرة.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، يبلغ حجم النفايات الصلبة المنتجة سنوياً مايفوق 4.892 مليون طن مع معدل يومي يبلغ 4.118 طن في إمارة العين و2.349 طن في المنطقة الغربية. كما أن معدل إنتاج النفايات الصلبة البلدية للفرد الواحد في دولة الإمارات يتراوح مابين 1.76 إلى 2.3 كغ لكل يوم. وبحسب مركز إدارة النفايات - أبوظبي، يقدر الحجم السنوي للمخلفات في إمارة أبوظبي بأكثر من ست ملايين طن (16500 طن في اليوم).
وتعاني التربة الرملية في المناطق القاحلة وشبه القاحلة مثل غالبية بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل أساسي من ضعف الخصوبة بسبب نقص العناصر العضوية والمحتوى الطيني. وفي ظل هذه الظروف، تغدو الزراعة أمراً مستحيلاً بسبب درجات الحرارة المرتفعة بشكل عام إلى جانب الهطولات المطرية المحدودة وغير المنتظمة.
تتصف التربة الرملية بمسامية عالية وبعدم وجود هيكل معين لها، مما يتسبب في خسارة المغذيات من خلال ارتشاحها إلى طبقات التربة التي تعيق الوصول إلى جذور النبات. ومن أجل تحسين تركيبة التربة (يقصد هنا الحالة المادية للتربة وخصوصاً فيما يتعلق بملاءمتها للزراعة ونمو النبات) وكذلك وظائفها في دعم النبات، يغدو استخدام مواد عضوية إضافية أمراً بغاية الضرورة. ويمكن الحصول على المواد العضوية إما من خلال زراعة النباتات في موقعها الأصلي، أو من خلال جلب المواد العضوية من مصادر خارجية. إلا أن الحصول على الكتلة الحيوية في موقعها الأصلي لتشكل مصدراً للمواد العضوية يصعب بشكل كبير في البلدان القاحلة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة حيث لا تدعم تربتها نمو النبات وإنتاج الكتلة الحيوية بشكل فعال.
ويناء عليه، يمكن استخدام نفايات المدينة كمصدر بديل للمواد العضوية بما فيها حمأة الصرف الصحي (المخلفات الصلبة الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحي البلدية) والكتلة الحيوية الناتجة عن الزراعة التجميلية الخضراء وغيرها من المصادر. ويمكن اعتبار حمأة الصرف الصحي محسناً قيماً للتربة ومعززاً لصحتها في دولة الإمارات كما يتوافر بسهولة بكميات كافية في كافة بلديات الدولة.
تعد الحمأة مصدراً قيماً نظراً لغناها بالمواد العضوية وبالعناصر المغذية، كما يمكن استخدامها كمحسن للتربة لتحسين الخصائص المادية والكيميائية والبيولوجية للتربة. وعلاوة على ذلك، يشكل توافر المغذيات في التربة ذات القلوية العالية عائقاً أساسياً في إنتاج المحاصيل. إن الحمأة تسهم في تحسين خصوبة التربة فضلاً عن تغيير توافر المغذيات من خلال تحسين بنية التربة.
وعلى الرغم من اعتبارها مصدراً قيماً، تبرز مخاوف حول محتوى حمأة الصرف الصحي من المعادن الثقيلة والذي يؤثر على التربة والنباتات معاً. وللتغلب على هذه المسألة، يجب استخدام حمأة الصرف الصحي المعالجة وهي حمأة خالية من المعادن الثقيلة.
ولتحقيق ذلك، تقترح دراسة حالية تندرج ضمن مشروع " سماد النفايات البلدية في دولة الإمارات العربية المتحدة: الأهمية والجدوى الاقتصادية والاستخدام" التي أجراها فريق من الخبراء من المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) استخدام كل من حمأة الصرف الصحي والمخلفات الخضراء كسماد حيث يسهم ذلك في التخفيف من المعادن الثقيلة بشكل ملحوظ وتحسين نوعية المغذيات في المنتج النهائي المسمى "سماد الحمأة المختلط". تُنتج هذه العملية في النهاية محسن عضوي غني للتربة يساعد على التخفيف من آثار التغير المناخي وحماية البيئة ومضاعفة إنتاج الكتلة الحيوية للمحاصيل البقولية مثل اللوبية والبازلاء واللبلاب والسيسبان.
وفي محطة إكبا للبحوث في دبي، يجري الخبراء برنامجاً بحثياً طويل الأجل لتقييم استخدام حمأة الصرف الصحي وسماد الحمأة المختلط كمحسن للتربة ومصدراً للتكثيف الزراعي. ولدعم مثل هذه التجارب، أجريت دراسات مخبرية قدمت معلومات حول التخطيط التجريبي.
وقد حددت دولة الإمارات أنه مع حلول العام 2020 يجب تحقيق التخلص الكامل من مكبات النفايات. ومع التنامي المستمر للسكان ومشاريع التنمية الاقتصادية الضخمة قيد التنفيذ، تواجه الدولة تحدياً جوهرياً يتمثل في إدارة الزيادة المطردة للنفايات الصلبة الحيوية التي تتطلب التصريف الآمن. وقد أسهمت الامكانية المحتملة لحمأة الصرف الصحي كمحسن للتربة ومصدراً مهماً لمغذيات النبات في استقطاب المزيد من الاهتمام بتحويل النفايات إلى أشكال بديلة من الطاقة للتخفيف من البصمة الكربونية.