يسهم النظام البيئي للتربة بدور محوري في التغير المناخي، حيث يقوم بتنظيم حجز الكربون في التربة وكذلك انبعاثات غازات البيت المحمي.
غير أن التربة حول العالم تواجه مشاكل جمّة. إذ جاء تبعاً لتقديرات الخبراء أنه في غضون الـ 150 سنة الأخيرة، فقد العالم نصف تربته السطحية، نتيجة الانجراف الريحي كعامل رئيس. ويقول الأستاذ الدكتور جون كراوفورد من جامعة سيدني، "تشير الحسابات التقريبية لمعدلات تدهور التربة إلى أنه لم يبق أمامنا سوى ستون سنة من التربة السطحية." ويمثل التدهور، الذي غالباً ما ينجم عن الأنشطة البشرية بما فيها الزراعية، تهديداً آخر لصحة التربة في العالم، حيث يستنزف هذا التدهور مغذيات التربة ويعيق قدرتها على توفير خدمات النظام البيئي. واليوم، تعتبر جلّ موارد التربة بحالة إما متوسطة أو فقيرة أو شديدة الفقر.
وفي عام 2015، أصدرت منظمة الأغذية والزراعة تقريراُ بعنوان حالة موارد التربة في العالم، جاء فيه تحذير من تراجع الإنتاجية الزراعية مع استمرار فقدان التربة وتدهورها. ويشير التقرير إلى عدد من العوامل التي تسهم في فقدان التربة وتدهورها، بما في ذلك الممارسات الزراعية المطبقة على المحاصيل، والرعي الجائر، فضلاً عن إزالة الغابات والاستخدام المفرط للكيماويات الزراعية. وعلى مستوى العالم، يعتبر فقدان التربة مسؤولاً عن تراجع الأراضي الصالحة للزراعة، وتلوث النظام المائي، فضلاً عن زيادة معدلات الفيضانات والتصحر، حيث تسبب ذلك في تحويل الأرض التي كانت خصبة ذات يوم إلى صحراء.
وبالنسبة للمناطق القاحلة وشبه القاحلة على مستوى العالم، من قبيل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عمل التغير المناخي وضعف امكانية الوصول إلى المياه والتغيرات السكانية على تفاقم تبعات تدهور التربة وفقدانها، ما تسبب في زيادة الأعباء الجسيمة على الإنتاجية الزراعية. فمن بين مساحة14.9 مليون كم2 من الأراضي، تقع عليها بلدان من قبيل تونس والجزائر والمغرب وليبيا ومصر، وكذلك السودان والأردن ولبنان وسورية وفلسطين والعراق واليمن والمملكة العربية السعودية واليمن وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين، هنالك فقط 6.8 في المائة منها صالح للزراعة. ولعل التكلفة الناجمة عن تدهور الأراضي في تلك البلدان تبعاً للتقديرات تبلغ تسعة مليارات دولار أمريكي في العام، ما قد يسفر عن تراجع في إنتاجية المحاصيل بحلول 2025.
وبينما يعتبر الري جزءاً لا يتجزأ من الزراعة في كثير من مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يبقى استخدام نظم الري على نحو يفتقد إلى الكفاءة سبيلاً إلى تملح التربة، أو قد يعمل على تراكم الأملاح المنحلة في المياه داخل التربة. ويمكن لهذه العملية أن تعيق نمو المحصول، حيث يمنع الملح الزائد النباتات من امتصاص المياه. ولعل الانجراف المائي والريحي يمثلان مخاوف رئيسة أخرى لدى بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إذ تشيرالتقديرات إلى تأثر 41 مليون هكتار من الأراضي بفعل الانجراف المائي، وهي حالة تشهد تفاقماً نتيجة الممارسات الزراعية التي تحدّ من الغطاء الأرضي. أما الانجراف الريحي فهو الشكل السائد بالدرجة الأكبر من أشكال التدهور البيئي في المنطقة، وهو مسؤول عن نحو 66 في المائة من تدهور التربة. ويؤدي الانجراف الريحي والمائي مجتمعين إلى فقدان التربة السطحية الخصبة، فضلاً عن تراجع كفاءة نظم الري، وإعاقة الإنتاجية الزراعية.
بيد أن ثمة عدد من الحلول التي من شأنها تخفيض فقدان التربة وتحسين صحتها.
إذ يمكن لعدد من ممارسات زراعة المحاصيل أن تحدّ من انجراف التربة. فالحراثة التي تشكل الأخاديد والحواف في التربة تخفف الانجراف الريحي. كما أن توفير غطاء التربة، من خلال عمليات كالمحافظة على بقايا المحاصيل في الحقل عقب الحصاد أو الزراعة البينية تعد أساليب مستدامة للحدّ من الانجراف. أما دورات تناوب المحاصيل فهي طريقة أخرى لتخفيف الانجراف، أضف إلى ذلك أن تجنب الاستخدام المفرط للكيماويات الزراعية من شأنه تحسين خصوبة التربة.
يرى الدكتور عبد الله الشنقيطي، خبير أول في إدارة التربة لدى المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) أن في تشجيع وتأييد الحلول السياساتية مساعدة للمجتمعات الفقيرة بالتجهيزات على إدارة التربة لديها. وضرب الدكتور الشنقيطي مثلاً إيران التي قامت بتنفيذ تسع استراتيجيات للتنمية المستدامة. وعلى نحوٍ مماثل، رسمت مصر استراتيجيات لكل منطقة زراعية-بيئية، في حين أطلقت الإمارات العربية المتحدة برامج لتحسين النظم البيئية ومكافحة التصحر والتخفيف من تأثيرات التغير المناخي، فضلاً عن حماية التنوع الحيوي.
كما تعتبر البحوث مكوناً أساسياً أيضاً لمكافحة فقدان التربة وتدهورها. إذ يشكل جمع البيانات خطوة أولى في عملية رسم استراتيجيات زراعية مستدامة. ويتيح استخدام الاستشعار عن بعد وتحليل التضاريس والإحصائيات الجيولوجية وتقانات نظم المعلومات الجغرافية إجراء مسوحات للتربة في الوقت المناسب وبطريقة فعالة واقتصادية. أما المثال الآخر عن البحوث فيكمن في برنامج للأراضي الجافة، نفذ من خلال شراكة بين إكبا وشراكة خبراء المياه الشباب (YWSP) وبرنامج المنح الصغيرة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وجامعة الخليج العربي. واختبر المشروع استخدام مُحسنات التربة لتحسين إنتاجية المحاصيل في التربة الرملية والحدّ من استهلاك المياه.
علاوة على ذلك، ثمة حاجة إلى التثقيف والتوعية لإبقاء قضايا التربة في قمة أولويات سياسات الحفظ وجداول الأعمال البحثية وعامة الناس. فمنذ عام 2013، حددت منظمة الأغذية والزراعة تاريخ الخامس من ديسمبر/كانون الأول اليوم العالمي للتربة سعياً منها لرفع الوعي بالقضايا المتعلقة بالتربة. وتوافقاً مع الاحتفالات باليوم العالمي للتربة، جرى التخطيط لافتتاح متحف التربة في الإمارات بتاريخ الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2016، حيث سيعمل هذا المتحف، الذي يمثل مشروعاً مشتركاً بين إكبا وصندوق أبوظبي للتنمية، كمركز للمعلومات المتعلقة بدور التربة في البيئة والزراعة والأمن الغذائي.
وتشرح الدكتورة أسمهان الوافي، مدير عام إكبا، قائلة: "على اعتبار أن التربة مورد غير متجدد، من الضروري العمل على ضمان حفظها لتحقيق الأمن الغذائي فضلاً عن الاستدامة المستقبلية، الأمر الذي يتطلب استمرارية في التوعية العامة حول أهمية التربة والتأثيرات السلبية للاستخدامات غير المستدامة لهذا المورد."