لم يعد التغير المناخي يشكل تحدياً مستقبلياً. إذ بدأت تأثيراته تصيب المزارعين الذين يمثلون الشريحة الأكثر تعرضاً لخطر هذا التغير. ولعل تراجع الهطولات المطرية واستنزاف المياه الجوفية وكذلك ارتفاع درجات الحرارة والتقلبات المناخية تسببت في مزيد من الضغوط على النظام الزراعي، الذي يجهد للاستجابة إلى الطلب المتنامي على الأغذية.
ويعتبر التكيف مع التغير المناخي والتخفيف من تأثيراته أحد المواضيع الرئيسة للحوارات التي تدور في أروقة السياسات حول العالم، لاسيما في المغرب، حيث يستعد البلد لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي (COP 22) خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2016. ولعل الوقت قد حان الآن لمواجهة هذه المخاوف حيث يدعو اتفاق باريس 2015 الحكومات إلى الحدّ من ارتفاع درجات الحرارة حول العالم من 2 إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.
ومن المتوقع أن يكون التغير المناخي هو الأشد في البيئات الهامشية، تلك البقاع من العالم التي تواجه أصلاً مشكلات متعددة بدءاً من ندرة المياه إلى تملح التربة وتدهورها. وعلى اعتبار أن المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) يندرج بين بضعة مراكز دولية للبحوث والتنمية التي تركز بشكل حصري على المشكلات التي تعتري البيئات الهامشية، فقد عمل لسنوات على دراسة التأثيرات المحتملة للتغير المناخي في تلك المناطق، لاسيما تلك التي تصيب مصادر المعيشة لدى المجتمعات الريفية والزراعية.
وفي ورقة صدرت مؤخراً حول التغير المناخي وتدابير التكيف لإدارة المياه في إقليم شتوكة آيت باها في المغرب، درس الباحثون في إكبا التغيرات التي أصابت الهطولات ودرجات الحرارة في ذلك الإقليم وتأثيراتها في توافر المياه المخصصة للزراعة.
ويعرض المؤلفون توقعاتهم ضمن اثنين من سيناريوهات الانبعاثات، أحدهما سيناريو الأعمال المعتادة، حيث يحتمل أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار أربع درجات مئوية، والآخر قبول استراتيجية الحدّ من الانبعاثات، حيث من المحتمل أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين فقط. وفي كلا السيناريوهين، يتحدث المؤلفون عن تغيير في الهطولات مع تراجع في موارد المياه المتجددة، إلى جانب فترات جفاف أطول.
وعليه، سيواجه صناع السياسات خلال السنوات القادمة تحديات تتعلق بإمكانية تحسين استخدام المياه المخصصة لإنتاج الأغذية أو الاستهلاك البشري أو إنتاج الطاقة وكيفية القيام بذلك. وتقوم هذه الورقة بتقييم التدابير الرئيسة للتكيف مع التغير المناخي والمتبعة عملياً في الإقليم، ومن ضمنها تدابير إدارة المياه التي تكون نسبة المنافع فيها إلى الجهود هي الأعلى من خلال:
كما تعمل هذه الورقة على تسليط الضوء على استراتيجيات محلية للتكيف مع التغير المناخي والتي من شأنها إحداث تأثير إيجابي في موارد المياه. أما الهدف من هذا البحث فيتجلى في المساعدة على توجيه الاستراتيجيات المستقبلية في المناطق التي يكون احتمال معاناتها هو الأكبر بفعل التغير المناخي.