تسببت ظواهرالطقس المتطرفة عام ٢٠١٥ في حالة من الاضطرابات التي شهدها العالم بعد أن سجل هذا العام مستوى قياسياً باعتباره الأكثر سخونة على مستوى القرن. إذ لا تزال كثير من الحكومات تحسب تكاليف الأضرار الاقتصادية التي خلفتها الفيضانات وموجات الحرارة والجفاف. أما ظاهرة النينيو التي شهدتها منطقة المحيط الهادي فكان لها تأثير في مناخ كثير من بقاع الأرض. فعلى سبيل المثال، عانت جنوب أفريقيا من عام كان الأشد جفافاً،حيث وصل إلى مستوى قياسي، ما أدى إلى تراجع خطير في الغلال الزراعية وأجبر كثيراً من مالكي الحيوانات على التضحية بحيواناتهم أو بيعها.
مع تزايد تأثير تغير المناخ في الهطولات المطرية ودرجات الحرارة، تواجه المناطق الأشد جفافاً مشكلة مطردة تتجلى في إطعام مزيد من السكان في ظل أقل الظروف ملاءمة للإنتاج الزراعي. فموارد المياه التي تعاني أصلاً من ضغط هائل في تلك المناطق ستواجه مزيداً من الإجهادات لاسيما في ظروف الجفاف، ما يقوض جهود ضمان الأمن الغذائي والمائي والاستدامة الزراعية. أما المناطق القاحلة وشبه القاحلة، كالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فتعد معرضة بصفة خاصة إلى تأثيرات مرتبطة بتغير المناخ.
واحتل إيجاد حلول للتأقلم مع هذه التحديات التي تلوح في الأفق محور الاهتمام في مناقشة لجنة مشتركة نظمها المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) مؤخراً بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتعاون الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة خلال المنتدى العالمي للابتكارات الزراعية. واستقطب هذا المنتدى كبار المختصين والعلماء العاملين في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمناقشة كيفية مساعدة الابتكارات على إدارة موجات الجفاف بصورة أفضل.
وخلال المنتدى المنعقد في أبوظبي بتاريخ ١٦ فبراير/شباط ٢٠١٦، تحدثت السيدة سيتا توتنجيان، مديرة شعبة الشراكات وإدارة المعرفة في إكبا عن تأثيرات موجات الجفاف التي ضربت إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤخراً.
فقد جاء عن السيدة توتنجيان أن "موجات الجفاف تؤثر سلباً في إنتاج الأغذية والامدادات المائية، ويقع ضررها الأكبرعلى المجتمعات الريفية التي تعتمد عليها كمصدر للدخل والبقاء. فخلال العام السابق، أخفق إنتاج الأغذية ونضب الامداد بالمياه في إثيوبيا، مخلفاً حاجة إلى مساعدات غذائية لدى ثلث السكان. وفي إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء، يتسبب الجفاف في حالات وفيات وتشريد للسكان تفوق ما تحدثه أي كارثة طبيعية أخرى."
وأضافت السيدة توتنجيان: "تضرب المغرب وتونس والجزائر في هذه الفترة موجة جفاف شديدة. فخلال الشهر الفائت، عملت الحكومة المغربية على تخصيص مبلغ ٤١٧ مليون يورو لامداد القرى النائية بمياه الشرب وحماية الموارد الحيوانية والنباتية. كما خصصت التعاضدية الفلاحية المغربية للتأمين "مامدا" مبلغ ١١٦ مليون يورو لتعويض المزارعين المتضررين."
وفي تعليق له على تأثير تغير المناخ، أشار الدكتور باسكال ستيدوتو، معاون الممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا أن الإقليم قد يواجه درجات حرارة أعلى وكميات أقل من الهطولات المطرية تبعاً للتوقعات. "وباختصار، فإن المناطق الجافة أصلاً ستصبح أشد جفافاً في حين ستزداد رطوبة المناطق الرطبة."
أما جون ويلسون، المسؤول البيئي الأول لدى مكتب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الشرق الأوسط، فيرى أنه من الضرورة بمكان تطوير نـُهج جديدة لإدارة الجفاف في الإقليم. وفوق ذلك كله، من المهم الانتقال من إدارة الأزمة إلى إدارة الخطر: أي اتخاذ التدابير الاستباقية اللازمة قبل حدوث الجفاف بدلاً من التعامل معه بعد أن يضرب المنطقة. ووفقاً لما تراه حكومات إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن تكاليف الاستجابة إلى أزمة مابعد حدوثها تكون أكبر بالمقارنة مع تكاليف التخفيف من حدوثها.
وركز الدكتور ويلسون في كلمته على أن "موجات الجفاف الراهنة هذه تكشف فجوات ومعوقات إدارة الجفاف في الإقليم، وتشدد على الحاجة إلى دعم الحكومات والشعوب في تلك البلدان لتمكينهم من تطوير جهودهم لإدارة تأثيرات هذه الحالات المتطرفة للطقس."
ولمواجهة مخاطر الجفاف، أطلق إكبا برنامج "مورد" المعني بإدارة الجفاف منذ عام ٢٠٠٩ بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وذلك لتطوير وتحسين نماذج المناخ والمياه والمحاصيل بحيث تكون متكيفة بدرجة أفضل مع ظروف الإقليم وتعطي بيانات أكثر دقة لدعم صناعة القرار على شتى المستويات، بدءاً من مستوى المزرعة فالمستوى الوطني وانتهاءاً بالمستوى الإقليمي. وفي عام ٢٠١٥، عمل إكبا والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومنظمة الأغذية والزراعة وجامعة نبراسكا – لينكولن على توحيد جهودهم لإعداد نظام إقليمي لإدارة الجفاف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعرف اختصاراً باسم (MENA RDMS). ويهدف هذا المسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية: أولها المساعدة على تأسيس نظم إقليمية ووطنية لرصد الجفاف والانذار المبكر به؛ وثانيها المساعدة على تقييم مستويات التعرض للجفاف وتأثيراته؛ وثالثها المساعدة على رسم خطط للاستعداد للاستجابة للجفاف والتخفيف من تأثيراته.
وفي كلمة لها حول هذا البرنامج ومبادرة إكبا المتعلقة بإدارة الجفاف، قالت الدكتورة راشيل مكدونيل، رئيسة قسم نمذجة تغير المناخ والتكيف معه في إكبا، أن الهدف يكمن في تطوير وتحسين نماذج المناخ والمياه والمحاصيل بحيث تكون هذه النماذج متكيفة بدرجة أكبر مع ظروف الإقليم وتعطي بيانات أكثر دقة لدعم صناع القرار على شتى المستويات، بدءاً من مستوى المزرعة فالمستوى الوطني وانتهاءاً بالمستوى الإقليمي.
وقالت: "لا شك أن دعم المزارعين وأسرهم لمواجهة الجفاف يعد مسألة مهمة. فمن خلال امداد صناع القرار بأحدث البيانات المتعلقة بالمناخ والمياه والأغذية، سيكون بوسعنا تمكين الحكومات من رسم خطط فعالة للاستعداد لمواجهة الجفاف والاستجابة له ما يؤدي إلى الحدّ من تأثيره في المزارعين وبالتالي دعمهم للعودة إلى العمليات الإنتاجية بأسرع وقت."
كما أشارت الدكتورة مكدونيل أن الجفاف يأتي بأشكال مختلفة تبعاً لاختلاف المناطق، وعليه فمن الأهمية بمكان تصميم نـُهُج مفصلة لتناسب صفات كل منطقة على حدة. فبينما تساعد البيانات المحلية على تحديد المكان الذي يستوجب إيلاءه الأهمية القصوى، يشكل تبادل المعرفة والخبرات على المستويين الوطني والإقليمي مسألة جوهرية. فعلى سبيل المثال، يمكن لأخفاق المحصول في بلد ما أن يسبب اضطراباً في أسواق الأغذية في مناطق أخرى. وعليه، يكون التعاون الإقليمي مهماً لتحديد مخاطر الإنتاج الزراعي مسبقاً واتخاذ الإجراءات الوقائية. فالجفاف قد يحدث في بلد ما، بينما قد تمتد تأثيراته في أغلب الأحيان إلى خارج حدود ذلك البلد.