جاء في العناوين الرئيسية هذا الأسبوع أن هذا العام هو الأعلى حرارة، الأمر الذي يزيد من المخاوف حيال تأثيرات تغير المناخ ويستدعي مزيداً من التعاون الوثيق بين صناع السياسات والخبراء. إذ يحتاج صناع القرارات إلى بيانات تساعدهم على تحديد مواطن الضعف والأخطار لتحديد الأولويات على صعيد المطلوب من الأعمال والاستثمارات والمشاريع الإنمائية. وتحمل المعرفة القائمة على الأدلة أهمية كبيرة إذ تعتمد عليها عمليات رسم وتحديد السياسات الوطنية المعنية بالتخفيف من تأثيرات تغير المناخ والتكيف معه.
تمثل النماذج المناخية العالمية (GCM) نقطة البداية نحو التنبؤ بتغير المناخ وفهم الظروف المستقبلية، إلا أن هذه النماذج تفتقر إلى الدقة التي تجعلها مفيدة بالفعل للبلد أو لصناع القرار على المستوى المحلي. وتوفر البيانات المستخلصة من النماذج المناخية العالمية معلومات موثوقة ذات صلة بالتنبؤ على مقياس ١٠٠ × ١٠٠ كم. الأمر الذي يفيد في التحليل على المستوى القاري أو الإقليمي، لكن المنطقة الخاضعة للتغطية تعني أن ضمن هذا المشهد الطبيعي المترامي الأطراف ثمة احتمال كبير للتباين على صعيد الفيضانات أو موجات الجفاف أو أي فعاليات متطرفة. ما يستدعي وضع استراتيجيات للتخفيف من تأثيرات تغير المناخ والتكيف معها على المستويات الوطنية.
وهنا يأتي دور النماذج المناخية الإقليمية (RCMs). إذ تعطي هذه النماذج توقعات بتفاصيل أكثر وتمثل الفعاليات المتطرفة المحلية بدقة أعلى. وعليه، يمكن للنماذج المناخية الإقليمية والتدقيق الإحصائي التجريبي (ESD) المطبقة في منطقة محدودة بتوجيه من النماذج المناخية العالمية أن توفر معلومات على مقاييس أصغر وتغطي المزيد من الدلائل المطلوبة لدعم تقييم التكيف والتخطيط بشكل مفصل.
واستناداً إلى المعطيات أعلاه، تم تطوير مبادرة تجربة تدقيق المناخ الإقليمي المنسقة "كورديكس"، حيث تمثل مشروعاً عالمياً توفر خلاله المراكز المشاركة مزيداً من البيانات الدقيقة على مقاييس أكثر دقة وأكثر تكيفاً مع الظروف المحلية. أما الغاية من هذه المبادرة فتكمن في فهم أفضل للظواهر المناخية الإقليمية والمحلية ذات الصلة، ناهيك عن فهم تباينها وتغيراتها، من خلال تدقيق تلك البيانات، وتقييم وتحسين النماذج المناخية الإقليمية وطرائق التدقيق الديناميكية.
وعليه، توفر مبادرة تجربة تدقيق المناخ الإقليمي المنسقة بيانات مناخية يمكن للعلماء استخدامها لتقييم تأثيرات تغير المناخ في شتى القطاعات بما في ذلك القطاع الزراعي والمائي. وتمثل مبادرة عالمية يعمل العلماء معاً من خلالها على تدقيق البيانات المناخية بما في ذلك درجة الحرارة والهطولات المطرية ضمن أقاليم مختلفة من العالم.
ويدير المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) الذي يتخذ من دبي مقراً له برنامج "مورد" منذ عند سنوات بهدف تطوير وتحسين نماذج المناخ والمياه والمحاصيل الأكثر تكيفاً مع ظروف إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإيجاد بيانات أكثر دقة لدعم صناعة القرار على شتى المستويات، بدءاً من مستوى المزرعة فالمستوى الوطني وانتهاءاً بالمستوى الإقليمي.
ويقوم إكبا بتوليد بيانات مناخية عالية الدقة حول إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بما في ذلك بيانات متعلقة بفلسطين ولبنان والأردن وكذلك تونس والعراق واليمن والسنغال وموريتانيا. وستساعد هذه البيانات صناع السياسات على رسم استراتيجيات أكثر كفاءة ذات صلة بالأمن المائي والغذائي. كما يقوم المركز اليوم بتشكيل مركز إقليمي للمعرفة المتعلقة برصد الجفاف وإدارته.
وكجزء من هذا العمل، أضحى إكبا واحداً من أربعة مراكز فقط في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ينضم إلى مبادرة "كورديكس"، حيث من المنتظر تبادل المزيد من المعرفة بين تلك المراكز وتشذيب النماذج المناخية الإقليمية الخاصة بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويعمل إكبا على بناء شراكات جديدة مع مؤسسات بحثية وجهات مانحة وطنية وإقليمية ودولية لتطوير برنامج "مورد" ليصبح منصة إقليمية حقيقية للمعرفة الداعمة للقرارات والسياسات بما يصب في صالح مستقبل يتمتع فيه الجميع بمستوى أعلى من الأمن الغذائي والمائي في ظل تغير المناخ.