تشكل التربة مورداً ثميناً ومحدوداً. إذ تشير الأرقام العالمية المتعلقة بتدهور التربة إلى استمرارية غياب الجهود الملموسة لإنقاذ هذا المورد. وبتقديرات بسيطة نجد أن ٣٣ في المائة من الأراضي مصابة بالتدهور أصلاً، حيث فقد ما يزيد على ٢٤ مليار طن من التربة بفعل الانجراف في الأراضي المخصصة للمحاصيل حول العالم عام ٢٠١٠ وحده. ويفقد يومياً قرابة ٢,٠٠٠ هكتار من التربة الزراعية بفعل التدهور الناجم عن الملوحة. إذ تصل نسبة التربة المتضررة بالملوحة اليوم إلى ٢٠ في المائة من الأراضي المروية حول العالم. في حين يفضي كلّ من التحضر والتلوث إلى تفاقم المشكلة المذكورة.
واليوم يتحسن إدراك الحاجة إلى القيام بمزيد من الأعمال حيال مسألة تدهور التربة، حيث مثل عام ٢٠١٥ نقطة تحول في جهود التوعية المتعلقة بهذا المورد. وجاء الإجراء الأول في إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٦٨ عام ٢٠١٥ العام الدولي للتربة. إذ هدفت هذه المبادرة إلى رفع التوعية وزيادة مستوى الفهم حيال أهمية التربة في الأمن الغذائي والوظائف الأساسية للنظام الإيكولوجي. أما الإجراء الثاني فكان في مبادرة اللجنة الفنية الحكومية الدولية المعنية بالتربة التي تمثل الجهة الاستشارية العلمية الرئيسية لدى
الشراكة العالمية بشأن التربة، بغرض إعداد أول تقييم عالمي من نوعه حول التربة والقضايا ذات الصلة بها. أما إصدار الوثيقة المرجعية
حالة موارد التربة في العالم فيشكل تحولاً جذرياً في المواقف المتعلقة بهذه القضية.
وفي ١٣ ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٥، نظم المركز الدولي للزراعة الملحية بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة
حلقة دراسية مشتركة في المقر الرئيس للمركز في دبي بالإمارات العربية المتحدة، حيث كرست الحلقة الدراسية للإعلان عن إصدار وثيقة حالة موارد التربة في العالم واختتام العام الدولي التربة.
ومتحدثة خلال الاجتماع، أشارت الدكتورة أسمهان الوافي، مدير عام إكبا، إلى أن المركز نفذ بحوثاً مكثفة على التربة في بلدان مختلفة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة.
وفي معرض حديثها، ركزت الدكتورة الوافي على أن "إكبا أسهم في بحوث التربة داخل الإمارات العربية المتحدة، حيث تمخضت شراكته مع هيئة البيئة – أبوظبي ووزارة البيئة والمياه في الإمارات عن اكتشاف تربة الأنهدريت في الإمارات وإدخالها في الإصدار الثاني عشر للدليل الأمريكي لتصنيف التربة...إلى جانب ذلك، يفتتح إكبا خلال هذه الفترة متحفاً فريداً من نوعه للتربة."
وأشارت الدكتورة الوافي أيضاً إلى قيام إكبا بتطوير عدد من التقانات لاستصلاح التربة وتحسينها. فعلى سبيل المثال، أجرى المركز دراسات في الإمارات على إنتاج الفحم الحيوي والاستخدام المحتمل للحمأة والمواد الصلبة الحيوية في الزراعة والغابات وزراعة الأزهار.
ومتحدثاً عن تقرير حالة موارد التربة في العالم، قال السيد مهدي الإدريسي، ممثل منظمة الأغذية والزراعة في الإمارات ومنسق المكتب شبه الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية واليمن: "يتناول التقرير التغيرات الرئيسية التي أصابت التربة على المستوى العالمي، وكذلك على المستوى الإقليمي بمزيد من التفصيل. إذ يعرض بيانات علمية موثقة حول انجراف التربة والتغيرات في الكربون العضوي للتربة، وكذلك التغيرات في التنوع الحيوي للتربة، وتحمض التربة، وتراص التربة، وانسداد التربة، فضلاً عن تملح التربة، وتقلون التربة، وتلوث التربة، والتغيرات في مغذيات التربة وغمر التربة بالمياه."
وجاء في التقرير أن الافتقار إلى مغذيات التربة يمثل العقبة الأكبر لتحسين إنتاج الأغذية ووظيفة التربة في كثير من المشاهد الطبيعية المتدهورة. لهذا يشير التقرير، من جملة أمور أخرى، إلى أهمية إعادة بقايا المحصول ومواد عضوية أخرى إلى التربة، من خلال دورات زراعية تشتمل على محاصيل تقوم بتثبيت الآزوت، والاستخدام الرشيد للأسمدة العضوية والمعدنية.
وخلال ورشة العمل، أشار الدكتور شبير أحمد شاهد، خبير إدارة الملوحة لدى إكبا، إلى أن الطلب العالمي على الأغذية في تزايد، وأنه من الأهمية بمكان تبني ممارسات زراعية ذكية مناخياً. وأشار إلى أن استخدام طرائق وتقانات مثبتة والحدّ من هدر الأغذية من شأنه زيادة الامداد بالأغذية.
وجاء عن الدكتور عبد الله الشنقيطي، خبير إدارة التربة لدى إكبا، أن الفحم الحيوي يمثل أداة مهمة لزيادة إنتاجية التربة في المناطق التي تواجه استنزافاً شديداً للتربة وندرة في الموارد العضوية ونقص في الامداد بالمياه والمغذيات. غير أن التربة الرملية قد تجني الفائدة بالدرجة الأكبر. وكجزء من بحوث إكبا على الفحم الحيوي، قام المركز بتطوير تقانة متدنية التكلفة لإنتاج الفحم الحيوي من نخيل التمر والدمس.
وفي مسعى لدعم هدف الإمارات في منع هدر التربة وتحولها إلى المدفن عام ٢٠٢٠، عمل إكبا مع شركة الصرف الصحي الخاصة المحدودة لدراسة القيمة المحتملة للحمأة والمواد الصلبة الحيوية كمرطبات للتربة ومصدر مهم للمغذيات النباتية.
لكن، وفي سياق جهود تحسين التربة، يرى العلماء أنه من الضرورة بمكان القيام بأكثر من ذلك للحدّ من كمية الهدر الناجم عن الاستخدام البلدي الذي ينتهي به المطاف إلى المدافن.
وخلال الحلقة الدراسية، قال السيد محمد جرار، مدير البحوث والتنمية في مؤسسة "تدوير": "تصل مخلفات الأسر في دبي وحدها إلى قرابة ٧,٥٠٠ طن في اليوم، يبلغ نصيب المخلفات الغذائية منها زهاء ٣5 في المائة. وهذه المخلفات الغذائية هي ذات قيمة، إذ يمكن معالجة قرابة نصف كميتها لتصبح معدلاً للتربة خلال شهرين. إلا أن جل هذا المورد يذهب إلى المدافن في الوقت الراهن."
وأضاف السيد جرار: "ينتج صيفاً قرابة ١,٠٠٠ طن من مخلفات المشهد الطبيعي الأخضر يومياً في دبي. وهذا ما يمثل أيضاً مصدراً محلياً ومستداماً لإنتاج الأسمدة."
لهذا يرى العلماء أنها فرصة لاستثمار الهيئات الخاصة والحكومة فيها.
وهنالك منافع عديدة لاستخدام هذا النمط من تعديل التربة بالاعتماد على المخلفات الغذائية.إذ تعتبر هذه المخلفات أفضل من السماد الحيواني الأخضر كونه أكثر استقراراً وتمتد تأثيراته الإيجابية لأكثر من عام. كما تسهم بفعالية أكبر في استعادة إنتاجية التربة. من ناحية ثانية، يساعد هذا النمط على تقليص التأثيرات البيئية للمخلفات البلدية والإسهام في إدارة مستدامة لتلك المخلفات. وهو ما يتوافق مع سعي الإمارات إلى الحدّ من تفريغ المخلفات في المدافن من خلال هذه الخطوة.