تأثر مجتمعنا واقتصادنا تأثراً كبيراً بسبب توقف حركة البشر، حيث بات مئات الملايين حول العالم يرزحون تحت شكل ما من أشكال الإغلاق إثر تفشي جائحة كوفيد-۱۹. فقد تراجعت الأعمال، وتم تسريح الكثير من الموظفين أو اعطائهم إجازة مفتوحة، بالإضافة إلى إلغاء أو تأجيل الكثير من الفعاليات الرئيسية، وأصاب الجمود كثيراً من الفعاليات الاقتصادية حول العالم.
وانطلاقاً من أن إكبا يُعتبر مركزاً دولياً يعمل على مشاريع منتشرة في بلدان مختلفة من العالم، فقد اضطر إلى التكيف مع الأساليب الجديدة للعمل عن بعد بسبب منع السفر وغيرها من القيود. فالكثير من أعمالنا يعتمد على الشراكات مع الباحثين والمزارعين المحليين، وكذلك مع غيرهم من المستفيدين في تلك البلدان. وتمثل الأنشطة البحثية الحقلية أغلب هذا العمل الذي يهدف إلى تعزيز استخدام المحاصيل والتقنيات المتأقلمة مع المناخ وذات الكفاءة في استخدام الموارد. ومع عدم إمكانية توجه شركائنا وخبراؤنا إلى مناطق عمل المشاريع لزراعة المحاصيل، وجمع البذور وعينات المياه، وتدريب المزارعين والمرشدين الزراعيين، فقد بات التحدي أكبر في تنفيذ تلك المشاريع وتقديم الدعم للمستفيدين.
وبالرغم من تناقص الأنشطة الميدانية إلى حدّ ما، إلا أن فريق المعلوماتية الجغرافية والنمذجة استمر بعمله كالمعتاد، حيث يحتاج غالباً إلى بيانات لا تتطلب مهاماً على الأرض. فنحن نعتمد على بيانات مجمّعة على مدى عقود تقدمها لنا مجاناً كل من الوكالة الأوروبية للفضاء، ووكالة المسح الجيولوجي الأمريكي، والإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا)، وغيرها من المنظمات. كما نوظف كنوزاً من البيانات المكانية المجمعة والمخزنة على شبكة الانترنت. إضافة إلى ذلك، نحن نستخدم أيضاً بيانات مناخية يتم الحصول عليها على مدار الساعة من الأقمار الاصطناعية ذات المدار المحدد حول الأرض والتي تستمر في إرسال هذه البيانات تباعاً إلى المنظمات العلمية حول العالم. ويدعم عملنا بيانات تزودها أجهزة تعمل دونما حاجة إلى المعايرة على الأرض؛ وحواسبنا المحمولة المجهزة بالبرمجيات اللازمة هي مكان عملنا، مما يتيح لنا مواصلة تنفيذ عملنا وتحليلاتنا الهامة دون أن يتسبب الوضع الراهن في إعاقتنا.
ويمكن تطبيق هذا النمط من البحوث بأشكال عديدة خلال الأزمات. فها هي منظمة الصليب الأحمر ومنظمة خارطة الطريق المفتوح تتشاركان معاً لاستخدام تقنيات نظم المعلومات الجغرافية عند الكوارث لتحديد المناطق المستهدفة لعمليات الإنقاذ. كما تستخدم المنصة الحكومية الأمريكية (FEWSNET) العديد من أدوات النمذجة الجغرافية-المكانية للتنبؤ بالمجاعات في المناطق الهامشية من العالم. واليوم، تطبق جامعة جون هوبكينز ومعهد بحوث النظم البيئية (ESRI) تقنيات نظم المعلومات الجغرافية لرسم خرائط تفشي كوفيد-۱۹ وتعقبه.
لا شك أن هذه التقنيات التي أثبتت أهميتها البالغة في إدارة الزراعة والبيئة والمناخ قبل هذه الجائحة قد أصبحت أكثر أهمية الآن، فنحن بحاجة إلى المزيد من الحلول لتوفير البيانات وتحليلها عن بعد دون المساس بجودة المخرجات. ونظراً للاضطرابات التي أصابت تدفقات السلع والخدمات وتنقلات البشر، نرى أن ثمة مخاوف ترتبط بآثار هذه الاضطرابات في الأمن الغذائي والزراعة حول العالم. وهنا يمكن نشر تقنيات نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد خلال هذه الفترة لغايات كثيرة. إذ يمكن رصد المناطق الزراعية عن بعد من خلال استخدام حزم رئيسية من صور الأقمار الاصطناعية ومؤشرات نوعية ذات صلة بالغطاء النباتي على سبيل المثال، مما يساهم في رصد المزارع والمناطق الزراعية حول العالم دون الحاجة إلى جمع البيانات على الأرض. ومن خلال تحليل المناطق المزروعة خلال المواسم الزراعية في سنوات مختلفة، يمكن رصد التغيرات التي تطرأ على إنتاجية الغلال وإجمالي المساحة المزروعة، وتحليل تلك التغيرات، حيث يمكن لهذه التقنيات أن توفر تصوّراً عن التغييرات الناجمة عن أحداث معينة كجائحة كوفيد-۱۹ وتأثيراتها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، مع تجنب جمع البيانات ميدانياً، فهي مكلفة وتتطلب وقتاً طويلاً، لاسيما في المناطق التي تسبب كوفيد-۱۹ فيها بتقييد حركة الباحثين وإمكانية وصولهم إلى المناطق الزراعية.
يلتزم إكبا بتوفير تحليلات مكانية تستند إلى البيانات لدعم إدارة الأراضي والموارد والزراعة المستدامة في المناطق الهامشية حول العالم. وقد استطاعت فرقنا تطوير نماذج لرصد التبخر-النتح والجفاف والإنتاجية النباتية وغيرها من المؤشرات الرئيسية لفهم كيفية استخدام الموارد البيئية بصورة أفضل، ولإبراز أية تغييرات جوهرية قد تشير إلى خسائر في الإنتاجية وتغييرات في الحالة الجغرافية-المناخية في المناطق الرئيسية. ويشتمل عملنا أيضاً استخدام الطائرات المسيّرة "درون" التي تسهل رسم خرائط عالية الدقة بمقياس صغير للأنشطة الزراعية في مزارع فردية. ومع اتساع نطاق قدرات الطائرات المسيرة وتقنياتها، يسعى خبراؤنا إلى تحري إمكانية استخدام نظم الطائرات المسيرة آلياً في زراعة البذور والتلقيح وغيرها من الأنشطة الزراعية. وأخيراً، تستخدم نظم المعلومات الجغرافية بالمركز كافة طبقات البيانات المكانية مفتوحة المصدر حول الغطاء النباتي العالمي لتوفير رؤية معمّقة عن البيئة والإنتاجية الزراعية على المستوى العالمي. على سبيل المثال، يمكن استخدام صور الأقمار الاصطناعية لأخذ فكرة عن مواقع المزارع وإنتاجيتها كما في الصورة أدناه.
تساعد الأدوات المتاحة لتحليل البيانات المكانية فريق باحثينا على طرح العديد من الأسئلة المهمة والإجابة عنها. هل تأثرت الإنتاجية في المناطق الزراعية بفعل كوفيد-۱۹ أو بفعل أية ظروف بيئية أو اجتماعية-اقتصادية؟ ما هي التغييرات التي طرأت على النباتات المزروعة والطبيعية مع الوقت؟ كيف أثر تغير المناخ في المناطق الهامشية عبر العالم، وذلك وفقاً لما تم استنتاجه من التغييرات في المؤشرات المناخية التي كشفت عنها الطائرات المسيرة والنماذج وصور الأقمار الاصطناعية؟ يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها من خلال توظيف أحدث التقنيات الموجودة لدى إكبا، حيث تتيح هذه التقنيات الاستمرار في تنفيذ أنشطتنا ضمن البيئات الهامشية والحفاظ على قدرتنا التنافسية في ظل التطور المستمر للتقنيات والبيانات لتحليل الغطاء النباتي والمناطق عالمياً.
بينما يواجه العالم أزمة تسببت في اضطراب الصناعات والحياة اليومية، فإن المعلوماتية الجغرافية والنمذجة تساعد الخبراء على مواصلة تنفيذ أعمالهم. لا شك أن الأقمار الاصطناعية ستبقى دائمة التيقظ، في حين دخل الكثير من بقاع العالم في مرحلة السبات.