في ظل تغير المناخ واستنزاف الموارد الطبيعية والنمو السكاني يتجه العالم نحو مستقبل يفتقر إلى الاستدامة. فانعدام الأمن الغذائي وندرة المياه ليس سوى واقع يعيشه ملايين الأشخاص جلهم في البلدان منخفضة الدخل. ليأتي تحذير الخبراء بتردي الحال أكثر إذا لم نتخذ الإجراءات اللازمة عاجلاً.
وعليه، فإن أهداف التنمية المستدامة – التي تمثل خطة العمل العالمي – هي ما نعوّل عليه اليوم لدرء الأيام السوداء غداً. إذ علينا العمل معاً وحشد كل شريحة من شرائح المجتمع وعلى رأسهم جيل الشباب الذي يمثل قوة الأوطان وأملها، والذي يشكل اليوم نسبة كبيرة من السكان في البلدان النامية. والجانب المشرق يتمثل في عمق ارتباطهم مع نظرائهم داخل البلاد وخارجها أكثر من أي وقت مضى، مع وجود رغبة لدى الكثيرين منهم لخدمة مجتمعاتهم والعالم.
علينا تسخير الإمكانية الضخمة لجيل الشباب وإشراكهم بمستوى أعلى من الفعالية في جهودنا الساعية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. لكن لإدراك كامل قدراتهم، علينا رفد الشباب بالمهارات اللازمة وفتح باب الفرص أمامهم.
لهذا نحن في المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) نولي اهتماماً خاصاً لتنمية قدرة الشباب، حيث نركز جانباً كبيراً من جهودنا على تجهيز الشباب بالمهارات وتسليحهم بالمعرفة ليصبحوا علماء وأصحاب أعمال وقادة الغد.
ومنذ تأسيس مركزنا عام 1999، نجحنا في تنفيذ برامج مختلفة لدعم الشباب، بدءاً من الدورات التدريبية، مروراً بالتدريب العملي، وانتهاءً بالتوظيف.
أما أحدث مبادراتنا فكانت مبادرة نعم إكبا نعم لمساهمة الشباب، التي أطلقناها في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بهدف تسهيل التواصل والتعاون بين الشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة ومع أقرانهم في بلدان أخرى. فالهدف الأوسع هو في التصدي إلى التحديات المحلية والعالمية ذات الصلة بالأمن الغذائي والإنتاج الزراعي في البيئات الهامشية، ناهيك عن الإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال تعاون الشباب مع شتى فئات أصحاب الشأن بمن فيهم المزارعين وأصحاب الأعمال الزراعية وصناع السياسات.
وفي مارس/آذار 2019، أطلقنا الإصدار الأول لبرنامج زمالة القياديات العربيات في مجال الزراعة (أوْلَى) بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية (IsDB) ومؤسسة بيل ومليندا غيتس وبرنامج المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية حول أبحاث القمح، حيث ساعد هذا البرنامج على رفع مستوى المعرفة والقدرات لدى 22 باحثة شابة من شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بما يمكنهن من تحقيق تغييرات إيجابية في مواقع عملهن ومجتمعاتهن وبلدانهن.
إلى جانب ذلك، يمنح مركزنا فرصاً للطلاب والخريجين من جميع أنحاء العالم كل عام لاكتساب خبرات عملية. فقد وفرنا إمكانية التدريب العملي لكثير من الطلاب من بلدان كالصين وفرنسا والهند والمغرب وصربيا والإمارات العربية المتحدة وأوزبكستان وغيرها، حيث يعمل متدربونا مع خبراء المركز، ويجرون تطبيقاتهم في حقول التجارب وكذلك في أحدث المختبرات التابعة للمركز. كما ينفذون دراسات ومشاريع حول طيف واسع من المواضيع، بما فيها إدارة المياه والأراضي، وتنويع المحاصيل، وعلم الوراثة، ونمذجة تغير المناخ والتكيف معه. كما يحصلون على فرصة نشر أبحاثهم في مجلات محكّمة. فهذه التجربة تساعد على زيادة فرصهم في إيجاد وظائف أفضل وتقديم إسهامات إيجابية في أوطانهم.
ومن خلال برامجنا التي تستهدف تنمية القدرات، نرغب في تمكين الشباب ليكونوا قادة التغيير وللإسهام في الزراعة المستدامة وإنتاج الأغذية وحماية البيئة في البيئات الهامشية.
لا شك أن جهوداً من هذا القبيل هي الأكثر أهمية نظراً لأن جيل الشباب سيكون الوجه المستقبلي للزراعة والأمن الغذائي. فأنشطة البحوث والتنمية الزراعية والابتكار في هذا الميدان باتت تطرح قنوات جديدة لإنتاج الأغذية في كثير من بقاع العالم. هذا إضافة إلى انتقال إنتاج الأغذية إلى المناطق الحضرية حيث يصبح أكثر تقنيًا وكفاءة في استخدام الموارد، وهو ما يساعد على إيجاد المزيد من فرص العمل في المدن، فضلاً عن زيادة اهتمام الشباب بالزراعة. فاليوم يتنامى عدد مشاريع الأغذية الناشئة التي يقودها الشباب، ما يشكل عاملاً جوهرياً في الأمن الغذائي المستقبلي، إذ أضحى العالم بحاجة إلى جيل جديد من أصحاب الأعمال الزراعية والمبتكرين ممن سينقلون إنتاج الأغذية إلى مستوى آخر.